الله فَعَل قبائحَ كثيرةً؛ وأنتم لا تقولون به. وإِمّا أن تقولوا بعدم القبح في الجميع؛ فلا يلزم من جواز ما ذكرتموه محذورٌ.
ثمّ نقول: إِنّ جواز ما ذكرتموه وغيره لا يستلزم وقوعَه. ونحن نجزم ضرورةً بعدم وقوعه، وأنّ الله لم يُظهر المعجِزَ إِلاّ على يد صادقٍ، وأنّه لم يأمر بقبيحٍ أصلًا. لأن القبيح عندنا ما نهى عنه ومَنَع منه. فلو كان آمرًا به، لكان جامعًا بين الأمر بالشيء والنهي عنه بعينه؛ وهو تناقُضٌ. وإِذا كان علمُنا بأنّ ما أَلزمتمونا جوازَه من القبائح لم يقع ضروريَّا، فلا تأثير لمجرّد احتمال الجواز المذكور في العلم الضروريّ. وصار ذلك من باب احتمال انقلاب العلوم العاديّة؛ كانقلاب الجبال ذهبًا، والبحار عسلًا. فإنّه محتمَلٌ جائزٌ عقلًا في كلّ لحظةٍ وكلّ نفسٍ؛ بمعنى أنّه لو قُدِّر، لم يلزممنه محالٌ لذاته، مع أنّا نعلم قطعًا أنّه لم يقع؛ ولم يقدح جوازُ ذلك في قطعِنا بعدمه.
وأيضًا، لو قدّرنا إِظهار المعجز على يد الكاذب، قدّرنا في قبالته ما يَدفع محذوره، بأن نقول: إِن كان الله تعالى قَصَد بذلك إضلالَ تلك المعجزات فُرجةً للناس يتفرّجون فيها ويتنزهون بها، كما يتفرّجون في سائر الأشباء المتضادّة، كالحيوانات الحَسنة والقبحية، والأشجار الطبّية الرائحة والطعم والخبيثة، وكما يتفرّجون الآن في شعبذة المشعبذين وسحر السحرة. أو يُقدِّر اتفاقُنا على تجوّز تكليف ما لا يطاق؛ فلا يلزم من ذلك المحال. وبالجملة، لو قدّرنا ما ذكرتموه، قدّرنا انقلاب حقائق ما نحن فيه الآن على وجهٍ يدفع محذورَه. فأمّا أنّكم تُلزِمونا تقديرَ بقائنا على حالنا الآن، فهذا ليس بإنصاف منكم. وأنتم إِنما تنازِعون على ثبوت العدل والإنِصاف بزعمكم؛ ولذلك وَسَمتم بإنصاف منكم. وأنتم إِنما تنازِعون على ثبوت العدل والإِنصاف بزعمكم؛ ولذلك وَسَمتم أنفسَكم بأهل العدل.
الوجه الرابع: لو لم يُعرَف الحُسنُ والقبح إِلاّ بالشرع، للزم منه إِفحامُ الرسلِ، بأن يُقال لهم: "لا ننظر في معجزكم، حتى يجب علينا النظرُ، حتى يَثُبت شرعُكم. ولا يَثبُت شرعُكم حتى ننظر في المعجز". وذلك دورٌ ممتنعٌ؛ وسيأتي هذا وجوابُه.
الوجه الخامس: لو لم يكن الحُسن والقبح معلومين عقلًا، لما عرفناهما عند ورود