أو نقول في تقريره: إِن فِعل العبدِ للشىس أو تركه لابدّ فيه مِن خلقِ الله سبحانه داعيَةً فيه. فإِن ترجَّح داعي الفعل، صار واجبًا اضطراريًّا. وإِن ترجَّح داعي الترك، صار واجبًا، والفعلُ ممتنعًا. وإِن استوى داعيهما، وجاز الترجيحُ بلا مرجِّحٍ، كان الفعل اتفاقيًا. وإِن لم يجُز، كان ممتنعًا، لامتناع الترجيح بلا مرجِّحٍ. وإِذا دار فعلُ المكلَّفِ، بين أن يكون واجبًا أو ممتنعًا أو اتّفاقيًا، فلا قُبح في شيء من ذلك.
ويَرِد على هذه الحجّة أمران.
أحدهما: أن يمنعوا توقًّف فِعل العبد على خَلقِ الرب. فقد حَكى ابن بَرهان عن بعضهم أنّ العبد خالقٌ على الحقيقة كالربِّ. وقال بعضهم: "الخالق على الحقيقة هو العبد، والله خالقٌ على جهة المجاز". وحينئذٍ، يكون القبح من العبد لاستقلاله بالخلق. وهو مطلوبهم.
الأمر الثاني: أن يقال: سَلَّمنا أنّ فِعل العبد متوقّفٌ على خلق الله الداعي. لكن لا نٌسَلِّم أنّ خلق الداعي مستقلٌ بوجوب وجود الفعل إِنما حصل من جهة العبد. فيكون القبيحُ منه من هذه الجهة. ويحصل المطلوبُ. وهذا سؤالٌ قوىٌ على هذه الحجّة. غير أنّه يقتضي وقوعَ المقدور بين قادرين؛ وهم لا يقولون به.
الوجه الثاني من صور النزاع: تكليفُ ما لا يطاق. فنقول: لو كان قبيحًا، لما فَعًله الله سبحانه؛ وقد فًعًله؛ فلا يكون قبيحً. وبيان أنّه فَعَله أنّه كلَّف الكفارَ الذين عَلِم أنهم يمونون كفّارًا بالإِيمان بالرسل وما جاءهم. ومن جملة ما جاءهم أنّ أولئك لا يؤمنون؛ كقوله: {وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، وقول موسى: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الآليم قال قد أجيبت دعوتكما} وقوله لمحمّد عليه السلام: {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جائتهم كل آية}، {كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم