"وإِذا كان الأمر مفروغًا منه، فكيف يقول: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}! وكيف ابتلى العبادَ، فعاتَبَهم على فِعلِهم! وكيف يقول: {إِنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}! وكيف يقول: {قدر فهدى}، ولم يقل: "قَدَّرَ فأَضَلَّ"! وكيف يَصحُّ أنّه خَلَقَهم للرحمةِ والعبادة، بقوله، {فطرت الله التي فطر الناس عليها}، وقوله، {فطركم أول مرة}، وقوله، {لا من رحم ربك ولذلك خلقهم}! فإِذا خَلَقَهم لذلك، فكيف يَصحُّ أن لا يجعَل لهم سبيلًا، ويَقسرهم على السعادة والشقاء، على ما يَذكُرون! وكيف يَبتلى إِبليسَ بالسجودِ لآدم؛ فإِذا عَصَى، يقول: {اهبط منها}، ويجعله شيطانًا رجيمًا! وكيف يقول: {فما يكون لك أن تتكبر فيها}! وكيف يحذر آدمَ عداوتَه، إِن كان الأمر مفروغًا منه، على ما يقولون! ".

وقال في الرسالة:

"واعلم، أيها الأمير، ما أقول. إِنّ الله تعالى لم يَخفَ عليه بقضائه شيءٌ، ولم يَزدَهْ علمًا بالتجربة؛ بل هو عالمٌ بما هو كائن وما لم يَكُن. وكذلك قال: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض}، {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن}، الآية. فبَيَّن لنا أنّه يخلق خلقًا مِن ملائكةٍ وجنِّ وإنسٍ، وأنّه سيَبتَليهم قبل أن يخلقهم. فعَلِمَ ما يَفعَلون، كما قَدَّرَ أقواتهم، وقَدَّرَ ثوابَ أهلِ الجنّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015