التوفيق، كتأييد بصر الرأس والهواء الذي يجول فيه الشعاعُ بضوء الشمس. ومن أراد إِضلاله، حال بين نور عقله وقلبه، بأن خَتَم على سمععه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً. فمن يهديه من بعد الله؟ رّبنا لا تُزغ قلوبنا بعد إِذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً، إنّك أنت الوهّاب.
أعلم أنّ الأصوليّين تناقلوا هذه المسألة بهذه الترجمة خلَفًا عن سلَفٍ. وهي ترجمةٌ مجملةٌ لا تفيد حقيقة المقصود. ثمّ لَما شرعوا في تلخيص محلّ النزاع فيها، لم يَعْرُ تلخيصُهم لها عن إِجمالٍ وإبهامٍ. وأنا أذكُرُ معنى عبارتهم في ذلك، ثمّ أُعقب ذلك بما يقع عليه الاختيارُ من كلام العلماء الأخيار. فأقول، والله المستعان:
قال ابن بَرهان في كتاب الاعتصام: "مذهب أهل الحقّ من جميع أصحابنا أنّ الحَسَن والقبيح يُعرفان بالشرع. فلا حَسَن إِلا ما حَسَّنه الشرعُ، ولا قبيح إِلا ما قبّحه الشرعُ. وخالفَنا في ذلك جميعُ المعتزلة والخوارج والروافض والكرّاميّة والبراهمة والتناسخيّة والثنويّة (زاد غيرُه: "واليهود والنصارى")، وقالوا: "بالعقل يُعرَف حُسنُ الأشياء وقبحُها". والشرع إِذ وَرَد بتحسينٍ أو تقبيحٍ، فهو مخبِرٌ عن حُكم العقلِ بذلك، وأمَرَنا الاحترازَ عمّا قبّحَه".
ثمّ ذَكَر عن المعتزلة تقسيمًا سنذكره، إِن شاء اللهُ. ثمّ ذكر عباراتٍ للمعتزلة في تعريف الحسن والقبيح. فقال بعضهم: "الحسن هو الفعل العاري عن وجوه القبح". وقيل: "ما لا يستحقّ فاعلُه الذمَّ". قال: "وهما باطلان، بأفعال البهائم والمجانين".