العقل. وقلوب الكفّار مطبوعٌ عليها، كما أخبر اللهُ عنهم. والقلب جوهرٌ مجوَّفٌ، كالعين والأذن؛ فإِذا خُتِم عليه، حال الختمُ والطبعُ بين داخله ونور العقل، فلا يتبصَّر؛ كما تحولُ الغشاوةُ، أو العمى، ونحوه من أعراض العين، بين القوّة الباصرة ونور الشمس ونحوها؛ فلا تُبصِر. فإِذا فهم العقلُ معنى الخطاب،
[ألقى] بنورِه إِلى القلب؛ فإِن صادفه منشرحًا، أضاء بنوره وامتدى، وإِن صادفه مختومًا عليه، بقي النورُ يموج من خارجٍ، والقلب مظلمٌ من داخله، فضلّ وغوى.
وكذا الكلام في قوله، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب}، وقوله {لذكرى لمن كان له قلب}، أي منشرح، غير مطبوع عليه، يتلقى عن عقله ما يُلقى إليه من نور الهداية. بخلاف من له قلب مختومٌ عليه، فإِنّ ذاك كم لا قلب له، لعدم انتفاعه بلقبه، على مذهب العرب وغيرهم في الإِخبار بنفي الشيء لانتفاء فائدته؛ كقولهم "لا علم إِلاّ ما نفَعَ"، و"لا سلطان إِلاّ مَن عدَل"، ونحوه وعلى هذا يُحمل ما رُوِي عن عليُّ رضي اللهُ عنه: "إِنّ العقل في القلب": أي هدايته وأثره في القلب.
وأمّا الحديث، فمعناه ما ذكرنا أيضَا؛ لأنّ صلاحَ بصلاح القلب إِذا تلَقّى نور الهداية عن العقل، وفسادَه بفساده إِذا أبى نورَ الهداية عن العقل، لانطماسه والختم عليه. أو يكون المراد النيّة والقصد اللذين محلّهما القلبٌ؛ فإِذا صَلَحا، ظهر الصلاحُ على الجسد ظاهرًا وباطنًا؛ وإذا فسدا، كان بالعكس. فيكون الحديث نازعًا منزع قوله عليه السلام: "الأعمال بالنيّات". ويُستأنَس على هذا التأويل، مع ظهوره بأنّ الحديثين- أعني حديثَ "الأعمال بالنيّات، وحديثَ "إِنّ في الجسد مضغةً، ألا وهي القلب"- هما من الأحديث الأربعة التي هي مدار الإسلام ومبانيه. والثالث "من حُسنِ إِسلامِ المرء تركُه ما لا يعنيه". والرابع "كلّ عملٍ ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌ". وفي الختم والطبع على القلب كلامٌ سيأتي -إن شاء الله- في موضعه.