الدين، فلم يقبل من ذوي الشبه والتخييل العقلي حججهم ليخمدوا بها حجج أهل السنة، ولم يرض طريقة المتصوفة في التأمل والخلوة ولبس الخرقة وحلقات الذكر، ولم ير موجبا لأن يتعرض أئمة الدين بالرد على المبتدعة حتى لا تفشو آراؤهم فتفتن الناس ويصير الأمر -كما يسمى في عصرنا الحديث- بجريان الآراء. فسد كل الأبواب التي تخرج منها الفتن والبدع إلى مشارع النور.
وبرغم ما وقف له الإمام العظيم حياته فإن اختلاط الأمم وامتزاجها اخترق في السدود التي أقامها أهل السنة فجوات تدفقت منها آراء الجهمية ذوي التخييل العقلي، وآراء الصوفية ذوي التزيد على ما أوصى به الدين من الزهد، وآراء الفلاسفة الذين غالوا في تقدير العقل البشري وإخراجه إلى فناء لا حدود له من التخمين، وآراء علماء الكلام الذين قلبوا كل فكر ليصلوا إلى حقائق ترضاها عقولهم في خدمة الدين. وفي الليل الطويل الذي خيم على الأمة الإسلامية استقرت أفكار أولئك وغيرهم مجملة ومفصلة، وصارت عند معظم الناس هي الدين الإسلامي الذي يعرفونه ويدينون به، وصارت من المناسك القديمة المقدسة التي ولدوا أمام هياكلها وعلى أعتابها.
أما هي عند النابهين من ذوي النوايا الطيبة فإنها تحرر فكري، وعند النابهين من ذوي النوايا الخبيثة تحلل من ربقة الأخلاق وربقة الدين.
وفي تقاتل الآراء والمذاهب التي لا تعد لم يكن يقع صريعا إلا العقيدة السليمة والإسلام الصحيح.
وترابطت مهابط النّزول عند هذه الآراء الخبيثة ترابطا يدعو إلى اتهامها بالاتفاق على الخديعة، فبينما يقول محترفو الصوفية قول الغرباء بالاتحاد ووحدة الوجود1 فينْزلون بمقام الألوهية الأعظم عن مكانه العلي فإنهم