أو هي خير أمة أخرجت للناس، وكان ذلك لأن الإسلام افترض على متبعيه أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، فلا يميل بهم الجور على أنفسهم ولا على الناس، وهذا خلق الأمة الإسلامية والذي لم يزل يميزها فلا يشتط لها هوى ولا يمتد منها أذى.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسا شيئا واحدا، وإنما هما قسيمان، وأولهما أيسر من ثانيهما، والأمر بالمعروف أيسر من الائتمار به فقد يأمر به آمر ولا يعمل به، لأن العمل أثقل على النفس من القول، ولأن العمل عبئه على النفس لا على الغير. والنهي عن المنكر أيسر من الانتهاء عنه، إذ النفس لو وقعت في عادة من عادات السوء كرهت من ينهاها عنها، وهي أشد كرها لمن يعمل على انتزاعها منها.
وهذه الحال الأخيرة من النهي عن المنكر والانتهاء عنه هي التي تعرض لها محمد بن عبد الوهاب حين جاء بإصلاحه لتجريد التوحيد، فكان إصلاحه كله قولا بالنهي وعملا للانتزاع، فبدا الأمر بالغ الصعوبة عصيا على الإصلاح، ولكنه لم يأبه بصعوبة ولا عصيان.
وكانت أوهام العادات قد سيطرت على الناس رؤوسا وأوساطا وأذنابا، فالأمراء والرؤساء غارقون في أوهام الألقاب والمناصب والشهوات، والأوساط غارقون في أوهام الرياء والنفاق للتقرب إلى الرؤساء والتغلب على الأذناب، وخشاش الناس غرقى في أوهام الذل لرؤسائهم يستشفعون بالأوساط لديهم لعلهم يرحمون. وعمل ابن عبد الوهاب على إنقاذ الغرقى جميعا من أوهامهم وانتزاعهم من الأعماق التي غاصوا إليها، ولم يفرق بين ذنب ووسيط ورئيس، إلا بقدر الصورة التي غشيته من الوهم والخداع.
أما الرؤساء فبأن ينخلعوا عن الألقاب والتعالي على الناس وجحدان