وكرت الشهور والسنين اطمأن وهدأ وأيقن أن الجريمة قد ماتت في أكفان الزمان.
وبعد أربعة عشر عاما من التسآل والفحص عرف عبد العزيز، فأرسل إلى مرتكب الجريمة من يأتي به، فلما جاءه قال له: أتدري ما لنا عليك من الدين؟
قال: أيها الإمام، إني لم أقترض منك دينا!
قال عبد العزيز: بل الحلي التي سلبتها! فإنها دين يجب أن يؤدى فراغ الرجل على الأمير احتيالا على الخلاص وكذبا، فحاصره الأمير بالأدلة، ولم يزل به حتى خارت قواه فأقر بجريمته، فحكم عليه الأمير برد ما لديه من الحلي وضمان ما فقد منها، ثم أوقع به عقوبة الدين1.
وحين يستقر أمن الطريق استقرارا كاملا وتؤدى المناسك كما كانت تؤدى فرض نظام الدولة على أمراء الحج الوافدين من كل أقطار المسلمين أن يمروا بالدرعية، وفرضت لهم الضيافة فيها ثلاثة أيام، وقد أبلغت البلدان كافة بهذا الأمر، فمن خالف وأبى أن يمر كما أُمِرَ أنزل به العقاب والردع على قدر ما أظهر من خلاف.
وفي الظن أنها كانت أيام لا تخلص كلها للضيافة، وإنما يتلقى فيها أمير الحاج التعاليم الإسلامية عرضا وفي رفق عن المناسك التي يجب أن تؤدى وعن الغلو والمبالغات التي يجب أن لا تؤدى، حتى يمر موسم الحج خالصا لله وحده دون شوب من شرك أو رياء، وفي مراقبة ذلك فرض أن يتولى أمير من الدرعية الموسم كله في كل عام. ولكن ذلك لم يتم لهم كاملا حتى فتحوا الحجاز -فيما بعد- فالتزموه.