الحديث السادس

عن الأشعث بن قيس - رضي الله عنه - قال: "كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((شاهداك أو يمينه)) ، قلت: إذًا يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقِي الله وهو عليه غضبان)) .

قوله: ((مَن حلف على يمين صبر)) (يمين الصبر) : هي التي تلزم ويجبر عليها حالفها، يُقَال: أصبره اليمين أحلفه بها في مقاطع الحق، قال ابن بطال: إن الله خصَّ العهد بالتقدمة على سائر الأيمان، فدلَّ على تأكُّد الحلف به؛ لأن عهد الله ما أخذه على عباده وما أعطاه عباده.

وقال الراغب: ويطلق عهد الله على ما فطر عليه عباده من الإيمان به عند أخذ الميثاق، ويُراد به أيضًا ما أمر في الكتاب والسنة مؤكدًا، وما التزمه المرء من قِبَل نفسه كالنذر، اهـ.

وفي الحديث سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا عرفه المتداعيان، وفيه أن الحاكم يسأل المدَّعي: هل له بينة؟ وفيه بناء الأحكام على الظاهر، وأن حكم الحاكم لا يُبِيح للإنسان ما لم يكن حلالاً، وفيه أن صاحب اليد أَوْلَى بالمدَّعى فيه.

قال الحافظ: وفيه التنبيه على صورة الحكم في هذه الأشياء؛ لأنه بدأ بالطالب فقال: ليس لك إلا يمين الآخَر، ولم يحكم بها للمدعَى عليه إذا حلف، بل إنما جعل اليمين تصرف دعوى المدعي لا غير، ولذلك ينبغي للحاكم إذا حلف المدعى عليه أن لا يحكم بملك المدعي فيه ولا بحيازته، بل يقرُّه على حكم يمينه، وفيه أن يمين الفاجر تسقط عند الدعوى، وأن فجوره لا يُوجِب الحجر عليه، وفيه

موعظة الحاكم الخصم إذا أراد أن يحلف خوفًا من أن يحلف باطلاً، اهـ، وبالله التوفيق.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015