قوله: ((إلا كفر)) ؛ أي: فعل فعلاً شبيهًا بفعل أهل الكفر، وذلك حرام، وليس المراد بالكفر حقيقة الكفر الذي يخلِّد صاحبه في النار، فهو كفر دون كفر.
قال ابن بطال: ليس معنى هذا أن مَن اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود، وإنما المراد مَن تحوَّل عن نسبه لأبيه إلى غير أبيه عالمًا عامدًا مختارًا.
قوله: ((ومَن ادَّعى ما ليس له فليس منَّا وليتبوَّأ مقعده من النار)) ؛ أي: ليتَّخذ منزلاً من النار، وهو خبر بلفظ الأمر.
قوله: ((ومَن دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه)) ؛ أي: رجع.
قال ابن دقيق العيد: وهذا وعيد عظيم لِمَن كفَّر أحدًا من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة، وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم، والحقُّ أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها، فإنه حينئذ يكون مكذبًا للشرع، اهـ.
قال الحافظ: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادِّعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم، ولا بُدَّ منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا؛ لأن الإثم إنما يترتَّب على العالم بالشيء المتعمِّد له، وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر، ويُؤخَذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيءٍ ليس هو للمدَّعي فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها؛ مالاًً وعلمًا، وتعلمًا ونسبًا، وحالاً وصلاحًا، ونعمة وولاء، وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتِّبة على ذلك، اهـ، والله أعلم.
* * *