والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعدُ عن الترفُّه والاتِّصاف بصفة الخاشع، وليتذكَّر بالتجرُّد القدوم على ربه؛ فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات.

قوله: ((ولا يلبس من الثياب شيئًا مسه زعفران أو وَرْسٌ)) قال الحافظ: هو نبتٌ أصفر طيِّب الريح يُصبَغ به.

قال ابن العربي: ليس الوَرْسُ بطيب ولكنه نبَّه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشمِّ، فيُؤخَذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرِم وهو مجمَع عليه فيما يقصد به التطيُّب، انتهى.

قال مالك في "الموطأ": إنما يُكرَه لبس المصبغات؛ لأنها تنفض.

وقال الشافعية: إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تَفُحْ له رائحة لم يمنع.

قال الحافظ: والحجَّة فيه حديث ابن عباس بلفظ: "ولم ينهَ عن شيء من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد"؛ رواه البخاري.

وأمَّا المغسول فقال الجمهور: إذا ذهبت الرائحة جاز، انتهى.

وقال البخاري: (باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجَّل ويدهن) .

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة، ويتداوَى بما يأكل الزيت والسمن.

وقال عطاء: يتختَّم ويلبس الهِمْيَان، وطاف ابن عمر - رضي الله عنهما - وهو محرِم وقد حزم على بطنه بثوب، ولم ترَ عائشة - رضي الله عنها - بالتبان بأسًا للذين يرحلون هودجها، ثم ذكر حديث عائشة: "كنت أطيِّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يحرم ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت".

قال الحافظ: واختلف في الريحان؛ فقال إسحاق: يباح، وتوقَّف أحمد، وقال الشافعي: يحرم، وكرهه مالك والحنفية.

ومنشأ الخلاف أن كل ما يُتَّخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا.

قال: و (الهِمْيَان) يشبه تكة السراويل، يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط، قال ابن عبد البر: أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض.

قال الحافظ: والتُّبَّان: سراويل قصيرة بغير أكمام، وكأنه هذا رأي رأتْه عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم، انتهى.

وعن يعلى بن أمية أنه قال لعمر - رضي الله عنه -: "أرِني النبي حين يُوحَى إليه، قال: فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجِعْرَانة ومعه نفرٌ من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمِّخ بطيب؟ فسكت النبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015