في الحديث دليلٌ على كراهة الوصال، وهو ألا يفطر بين اليومين، وفيه دليل على جوازه إلى السحر إذا لم يشقَّ عليه ولم يضعفه عن العبادة.

قوله: ((إني أُطعَم وأُسقَى)) ؛ أي: يعطيني الله قوة الآكل والشارب ويفيض عليَّ ما يسد مسد الطعام والشراب، ومَن له أدنى ذوق وتجربة بعبادة الله والاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه ومشاهدته، يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثيرٍ من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرَّت عينه بمحبوبه.

قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد استواء المكلَّفين في الأحكام، وأن كل حكم ثبت في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في حق أمته إلا ما استثني بدليل، وفيه جواز معارضة المفتي فيما أفتى به إذا كان بخلاف حاله ولم يعلم المستفتي بسرِّ المخالفة، وفيه الاستكشاف عن حكمة النهي، وفيه ثبوت خصائصه - صلى الله عليه وسلم - وأن عموم قوله - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] مخصوص، وفيه أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته ويبادرون إلى الائتساء به إلاَّ فيما نهاهم عنه، وفيه أن خصائصه لا يتأسَّى به في جميعها، وفيه بيان قدرة الله - تعالى - على إيجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر، انتهى، والله أعلم.

* * *

باب أفضل الصيام وغيره

الحديث الأول

عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: أُخبِر النبي - صلى الله عليه وسلم - أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشتُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت الذي قلت ذلك؟)) ، فقلت له: قد قلته، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015