والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينقم ابن جميل إلاَّ أن كان فقيرًا فأغناه الله - تعالى - وأمَّا خالد فإنكم تظلمون خالدًا؛ فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأمَّا العباس فهي عليَّ ومثلها)) ، ثم قال: ((يا عمر، أمَا علمت أن عم الرجل صِنْوُ أبيه)) .
قوله: ((ما ينقم)) ؛ أي: ما ينكر.
قوله: ((وأعتاده)) هو ما يعدُّه الرجل من الدواب والسلاح.
قوله: ((فهي علي ومثلها)) ؛ أي: هي عندي قرض، لأنني استسلفت منه صدقة عامين، ويؤيِّد ذلك ما أخرجه الخمسة إلا النسائي عن علي - رضي الله عنه - أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك.
قوله: ((فإنكم تظلمون خالدًا)) ؛ أي: بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لم يمنع، وكيف يمنع الفرض وقد تطوَّع بتحبيس سلاحه وخيله في سبيل الله؟ واستدلَّ بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح، وأن الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبِسه، وعلى صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، وفيه دليلٌ على وجوب الزكاة في عروض التجارة.
قوله: ((يا عمر، أمَا علمت أن عمَّ الرجل صِنْوُ أبيه)) (الصنو) : المِثْل، وأصله في النخل أن يجمع النخلتين أصلٌ واحد؛ قال - تعالى -: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4] .
قال الحافظ: وفي الحديث بعث الإمام العمَّال لجباية الزكاة، وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه، والعيب على مَن منع الواجب وجواز ذكره في غيبته بذلك، وتحمُّل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه، والاعتذار عن بعض الرعية بما يسوغ الاعتذار به، والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب.
* * *