فَكَانَ عَمه أَبُو الصَّفَا يَقُول لَهُ أيجمل بك هَذَا وَأَنت فِي هَذِه المثابة من الِاشْتِغَال فَكَانَ يَقُول أَنا قصدي أَن أوفي الصباوة حَقّهَا قلت وَمثل هَذَا يحْكى عَن الرئيس أبي عَليّ بن سيناء وَرَأَيْت بِخَط عبد الرَّحِيم المترجم مجموعاً مُشْتَمِلًا على قصائد ومقطعات من بواكير طبعه فاخترت مِنْهَا اللَّائِق بكتابي هَذَا فَمن ذَلِك قَوْله فِي الْغَزل

(ملت العذال من عذلي وَمَا ... ملّ جفناك من الفتك بقلبي)

(لَو رآك النَّاس بِالْعينِ الَّتِي ... أَنا رائيك بهَا مَا ازْدَادَ كربي)

(واستراح الْقلب من عذلهم ... إِن طول العذل دَاء للمحب)

(بل وَلَو كَانَ بهم مثل الَّذِي ... بفؤادي لم يمت شخص بنحب)

وَقَوله

(لي فؤاد على المودّة بَاقِي ... لم يزغ عَن تذكر الْمِيثَاق)

(غير أَن البعاد جَار عَلَيْهِ ... فبراه وَلم يدع مِنْهُ بَاقِي)

(وجفون جَفتْ لذيذ كراها ... واستفاضت بمدمع غيداق)

(كلما طَال عهدها طَال مِنْهَا ... مدمع يرتقي وَلَيْسَ براقي)

(إِن درّاً أودعتموه بأذني ... درّ مذ بنتم من الآماق)

معنى الْبَيْت الْأَخير مطروق وَمِمَّا استحسنته من شعره قَوْله

(تطاولت الْخمر اختباراً لعقلنا ... فَقَالَت لنا إِنِّي كجفنية أكسر)

(فبادرها الْإِنْكَار منا لقولها ... على أننا بِالْحَقِّ وَالله ننكر)

(فرقت لنعفو واستحت فلأجل ذَا ... نرى وَجههَا يبود لنا وَهُوَ أَحْمَر)

وعَلى ذكر استحياء الْخمر تذكرت لَطِيفَة وَهِي أَن بعض الظرفاء كَانَ يسْتَعْمل الشَّرَاب سرا وَكَانَ عَلَيْهِ حجر من وَالِده فَمَا زَالَ وَالِده يتبعهُ إِلَى أَن لقِيه يَوْمًا وَمَعَهُ قنينة خمر فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا قَالَ لبن قَالَ وَيحك اللَّبن أَبيض وَهَذَا أَحْمَر قَالَ صدقت لما رآك خجل واستحى واحمرّ وقبح الله من لَا يستحي فَخَجِلَ وَانْصَرف وخلاه وَمن مقاطيعه قَوْله

(أَسِير وقلبي عنْدكُمْ لست عَالما ... بِمَا فِيهِ هاتيك اللواحظ تصنع)

(وَمَا زلت مشتاقاً لطيف خيالكم ... وَأَنِّي من الدُّنْيَا بذلك أقنع)

وَقَوله على أسلوب أَبْيَات الحريري يَا خَاطب الدُّنْيَا الدنيه وَفِيه التَّصْرِيح

(يَا من نأى متجبراً يَا جاني ... صيرتني متحيراً فِي شاني)

(هلا وَقد أبعدتني وقليتني ... أرْسلت طيفك فِي الْكرَى يلقاني)

(أمْطرت مني عِبْرَة هِيَ عِبْرَة ... فضحت هوى متستراً بجناني)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015