فِي المعمى ذكر فِيهَا أَنه صنع بَيْتا وَاحِدًا يخرج مِنْهُ ألف اسْم بطرِيق التعمية مَعَ الْتِزَام تعدّد الْإِيهَام فِي كل اسْم وَهَذِه الْأَنْوَاع وَإِن انْفَرد كل وَاحِد مِنْهَا بأسلوب يَخُصُّهُ إِلَّا أَنَّهَا ترجع إِلَى أصل وَاحِد هُوَ إبراز الْكَلَام على خلاف مُقْتَضى الْعبارَة فالأحجية أَن يُؤْتى بِلَفْظ مركب وَيطْلب مَعْنَاهُ من تَحْلِيل لفظ مُفْرد كَقَوْلِك هدهداي ارْجع ارْجع وَأما المعمى فَهُوَ قَول يسْتَخْرج مِنْهُ كلمة فَأكْثر بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله الذَّوْق السَّلِيم واللغز مثله إِلَّا أَنه يَجِيء على طَريقَة السُّؤَال وَالْفرق بَينه وَبَين المعمى أَن الْكَلَام إِذا دلّ على ذَات شَيْء من الْأَشْيَاء بِذكر صِفَات لَهُ تميزه عَمَّا عداهُ كَانَ ذَلِك لغزاً وَإِذا دلّ على اسْم خَاص بملاحظة كَونه لفظا بِدلَالَة مرموزه سمى ذَلِك معمى فَالْكَلَام الدَّال على بعض الْأَسْمَاء يكون معمى من حَيْثُ أَن مَدْلُوله ذَات من الذوات لَا بملاحظة أوصافها فعلى هَذَا يكون قَول الْقَائِل فِي اسْم كَون
(يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا ... عَن اسْم شَيْء قل فِي سومك)
(تنظره بِالْعينِ فِي يقظة ... كَمَا ترى بِالْقَلْبِ فِي نومك)
صَالحا لِأَن يكون فِي اصطلاحهم معمى بِاعْتِبَار دلَالَته على اسْم بطرِيق الرَّمْز وَمثل ذَلِك كثير فِي أشعار الْعَرَب فَلَا حَاجَة إِلَى تَكْثِير الْأَمْثِلَة وَاعْلَم أَن أَرْبَاب المعمى لم يشترطوا فِي اسْتِخْرَاج الْكَلِمَة بطرِيق التعمية حُصُولهَا بحركاتها وسكناتها بل يَكْفِي حُصُول حُرُوف الْكَلِمَة من غير مُلَاحظَة هيئتها الْخَاصَّة فَإِن وَقع التَّعَرُّض للحركات والسكنات أَيْضا كَانَ ذَلِك من المحسنات ويسمون هَذَا عملا تذييلياً وَقد خرجنَا عَن الصدد الَّذِي نَحن فِيهِ فلعلك لَا تسأم وقرأت بِخَط بعض الأدباء نَاقِلا عَن خطّ السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ أنْشد الْعَلامَة نَسِيج وحدة المرحوم الشَّيْخ أَحْمد الْمقري المغربي فِي كِتَابه أزهار الرياض فِي أَخْبَار عِيَاض فِي جملَة مَا أوردهُ من شعر ابْن زمرك الأندلسي من كتاب ذكر أَنه من تآليف بعض سلاطين تلمسان بني الْأَحْمَر وَهُوَ حفيد ابْن الْأَحْمَر المخلوع سُلْطَان الأندلس الَّذِي كتب إِلَيْهِ ابْن زمرك بعد ابْن الْخَطِيب قَالَ وَهُوَ سفر ضخم سَمَّاهُ بالبقية والمدرك من شعر ابْن زمرك لَيْسَ فِيهِ إِلَّا نظمه فَقَط فَقَالَ وَمن وَصفه فِي زهر القرنفل الصعب الاجتناء بجبل الْفَتْح وَقد وَقع لَهُ مَوْلَانَا المستعين بِاللَّه بذلك فارتجل قطعا مِنْهَا
(أَتَوْنِي بنوّار يروق نضاره ... كخدّ الَّذِي أَهْوى وَطيب تنفسه)
(وجاؤوا بِهِ من شَاهِق متمنع ... تمنع ذَاك الظبي فِي ظلّ مكنسه)