(أَصبَحت من بَيت الْعِمَاد بجلق ... أروي رِوَايَات الثنا الْمَشْهُور)
... فلقاه فِيهَا نَافِع وحماه فِيهَا عَاصِم (ونوا لَهُ ابْن كثير ... )
هَذَانِ من المؤرخين وَأما أَرْبَاب الإنشاد فقد ذكره مِنْهُم الخفاجي فِي كِتَابيه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَمَا أحسن مَا تمثل فِي حَقه بقول الشهَاب المنصوري
(أَرَأَيْتُم فِي النَّاس ذَات لطيف ... تشرح الصَّدْر مثل ذَات الْعِمَاد)
(حسبها من لطافة أَنَّهَا لم ... يخلق الله مثلهَا فِي الْبِلَاد)
وَذكره عبد الْبر الفيومي فِي المنتزه والبديعي فِي ذكرى حبيب وَعبارَته فِي حَقه هَذِه مفتي الديار الشامية وَصَاحب الإفادة بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية سيداً استعبد الْمجد وَالنَّاس من ذَلِك أَحْرَار وَظَهَرت فِي الْخَافِقين فضائله كَمَا ظهر النَّهَار جبلت رَاحَته على الإنعام كَمَا جبل اللِّسَان على الْكَلَام وَقد أنْفق عمره على اجتلاء فرائد التَّفْسِير إِلَى أَن لحق بجوار ربه اللَّطِيف الْخَبِير وَقد أورث مجده أبناءه الَّذين إِذا دجت الخطوب فأراعم كَالنُّجُومِ العوائم
(ثَلَاثَة أَرْكَان وَمَا انهد سودد ... إِذا اثبتت فِيهِ ثَلَاث دعائم)
ثمَّ أورد بعض أشعار ومنشآت لَهُ من جُمْلَتهَا أبياته الْمَشْهُورَة الَّتِي مستهلها
(سأطمس آثَار هواي أثارها ... وأنفض من ذيل الْفُؤَاد غبارها)
(لقد آن صحوي من سلاف صبَابَة ... فقد طالما خامرت جهلا خمارها)
(هجرت الْهوى والزهو حَتَّى اشتياقه ... وَطيب لَيَال اللَّهْو حَتَّى ادّكارها)
(وعفيت سبل الْهزْل بالجدّ مقلعاً ... وعفت مسرّات جنيت ثمارها)
(أثام كفيت الْيَوْم بِالتّرْكِ شرّها ... لعَلي غَدا فِي الْحَشْر أكفى شِرَارهَا)
(قطفت أزاهير الصبابة فِي الصِّبَا ... وَقد صَار عاراً أَن أَشمّ عرارها)
(فَلَو صائدات الْقلب أقبلن كالمها ... وقبلن رَأْسِي مَا قبلت مزارها)
(وَقد كنت أودعت الحجا فاستردّه ... إِلَى النَّفس شيب قد أعَاد وقارها)
(وَكَانَ شَبَابِي شب نَار صبابتي ... فمذ لَاحَ نور الشيب أخمد نارها)
(ترى شيبتي مَا عذرها لشبيتي ... وَقد سبقت قبل الْكَمَال عذارها)
(تَبَسم ثغر الشّعْر فِيهَا تَعَجبا ... لَهَا إِذْ رأى ليل السبال نَهَارهَا)
(فَمَا زار وكر الشّعْر فِيهَا غرابة ... وَلَا دَار حَتَّى استوطن الباز دارها)
(عَسى الْآن عَمَّا قد عثرت إنابة ... يقيل بهَا للنَّفس رَبِّي عثارها)