بالقصائد السائرة وخلدوا مدائحه فِي صفحات آثَارهم وَبِالْجُمْلَةِ فأخباره وفضائله مَلَأت كل محفل ووقفت لَهُ على تحريرات أدبية كَثِيرَة وَمن ألطفها جَوَابه عَن سُؤال رَفعه إِلَيْهِ بعض الأدباء فِي الأغاليط الَّتِي ذكرهَا صَاحب الْقَامُوس عِنْدَمَا ذكر الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما
(لَا در در إناس خَابَ سَعْيهمْ ... يستمطرون لَدَى الْأَزْمَان بالعشر)
(أجاعل أَنْت بيقورا مسلعة ... ذَرِيعَة لَك بَين الله والمطر)
فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي تِسْعَة أغلاط فَأجَاب بِمَا نَصه أَقُول قد لَاحَ لي فِي هَذِه الْأَلْفَاظ تِسْعَة وُجُوه خطرت بالبال وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال الأول ادخال الْهمزَة على غير مَحل الْإِنْكَار وَهُوَ جَاعل وَالْوَاجِب إدخالها على السّلْعَة لِأَنَّهَا مَحل الْإِنْكَار الثَّانِي تَقْدِيم الْمسند الَّذِي هُوَ خلاف الأَصْل فَلَا يرتكب إِلَّا لسَبَب فَكَانَ الْوَاجِب تَقْدِيم المسلعة وَإِدْخَال الْهمزَة عَلَيْهَا بِأَن يُقَال أمسلعة أَنْت تجْعَل ذَرِيعَة الثَّالِث أَن تَرْتِيب هَذَا الْبَيْت على مَا قبله يَقْتَضِي أَنه قصد الِالْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب قطعا وَأَنه بعد أَن حكى عَنْهُم حالتهم الشنيعة الْتفت إِلَى خطابهم بالإنكار ومواجهتهم بالتوبيخ حَتَّى كَأَنَّهُمْ حاضرون يَسْتَمِعُون وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ أَنه أَخطَأ فِي إِيرَاد أحد اللَّفْظَيْنِ بِالْجمعِ وَالْآخر بِالْإِفْرَادِ وَلَا شكّ أَن شَرط الِالْتِفَات الِاتِّحَاد الرَّابِع أَن الجاعلين هم الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة الَّذين حكى عَنْهُم فِي الْبَيْت الأول فَلَا وَجه لتخصيص الْوَاحِد مِنْهُم بالإنكار عَلَيْهِ دون الْبَقِيَّة لَا يُقَال هَذَا الْوَجْه دَاخل فِي الَّذِي قبله لأَنا نقُول هَذَا وَارِد بِقطع النّظر عَن كَون الْكَلَام التفاتاً أَو غير الْتِفَات من حَيْثُ أَنه نسب أمرا إِلَى جمَاعَة ثمَّ خصص وَاحِدًا بالإنكار من غير الْتِفَات إِلَى الِالْتِفَات أصلا الْخَامِس تنكير الْمسند إِذْ لَا وَجه لَهُ مَعَ تقدّم الْعَهْد حَيْثُ علم أَن مُرَاده بالجاعل هم الأناس المذكورون فِي الْبَيْت الأول فَكيف يُنكر الْمَعْهُود فَكَانَ حق الْكَلَام أَن يُقَال أمسلعة أَنْتُم الجاعلون السَّادِس البيقور اسْم جمع كَمَا فِي الْقَامُوس وَاسم الْجمع وَإِن كَانَ يذكر وَيُؤَنث لَكِن قَالَ الرضي فِي بحث الْعدَد مَا محصله أَن اسْم الْجمع وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بِجمع الْمُذكر كالرهط والنفر وَالْقَوْم فَإِنَّهَا بِمَعْنى الرِّجَال فيعطي حكم الْمُذكر فِي التَّذْكِير فَيُقَال تِسْعَة رَهْط وَلَا يُقَال تسع رَهْط كَمَا تَقول تِسْعَة رجال وَلَا تَقول تسع رجال وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بالمؤنث فَيعْطى حكم جمع الْإِنَاث نَحْو ثَلَاث من الْمَخَاض لِأَنَّهَا بِمَعْنى حوامل النوق وَإِن احتملها كالخيل