(أنقذتني يَد الْعِنَايَة مِنْهَا ... بعد ظَنِّي أَن لات حِين مناص)
ثمَّ وقفت لَهُ على أَبْيَات بناها على لغز فِي طَرِيق وَهِي
(مَا اسْم رباعي الْحُرُوف تخاله ... لمناط أَمر المنزلين سَبِيلا)
(وتراه متضحاً جلياً ظَاهرا ... ولطالما حاولت فِيهِ دَلِيلا)
(وَله صِفَات تبَاين وتناقض ... فَيرى قَصِيرا تَارَة وطويلا)
(ومقوّماً ومعوّجاً ومسهلا ... ومصعداً ومحزناً وسهولا)
(وَالْخَيْر وَالشَّر الْقَبِيح كِلَاهُمَا ... لَا تلق عَنهُ فيهمَا تحويلا)
(سعدت بِهِ أهل التصوّف إِذْ بِهِ امتازوا ... فَلَا يبغوا بِهِ تبديلا)
(تصحيفه وصف لطيف إِن بِهِ ... جملت أوصافاً تنَال قبولا)
(وَإِذا تصحف بعد حذف الرّبع مِنْهُ ... تَجدهُ حرفا فابغه تَأْوِيلا)
(أَو ظرفا أَو فعلا لشخص قد غَدا ... فِي وَجهه بَاب الرجا مقفولا)
(وبقلبه وَزِيَادَة فِي قلبه ... لبَيَان قدر النَّقْص صَار كَفِيلا)
(وبحذف ثالثه وقلب حُرُوفه ... كم راقت الحسنا بِهِ تجميلا)
(فَأَبِنْ معماه بقيت مُعظما ... تزداد بَين أولى الحجى تكميلا)
وَكنت فِي عنفوان عمري تلمذت لَهُ وَأخذت عَنهُ وَكنت أرى لَقيته فَائِدَة اكتسبها وَجُمْلَة فَخر لَا أتعداها فَلَزِمته حَتَّى قَرَأت عَلَيْهِ الصّرْف والحساب وَكَانَ يتحفني بفوائد جليلة ويلقيها عَليّ وحباني الدَّهْر مُدَّة بمجالسته فَلم يزل يتَرَدَّد إِلَيّ تردد الآسي إِلَى الْمَرِيض حَتَّى قدر الله تَعَالَى لي الرحلة عَن وطني إِلَى ديار الرّوم وطالت مُدَّة غيبتي وَأَنا أشوق إِلَيْهِ من كل شيق حَتَّى ورد عَليّ خبر مَوته وَأَنا بهَا فتجددت لوعتي أسفا على ماضي عهوده وحزناً على فقد فضائله وآدابه وَكَانَ قد حج فَمَاتَ بِمَكَّة وَكَانَت وَفَاته سادس عشر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة وَكَانَ عمره ثَمَانِي وَخمسين سنة فَإِنِّي قَرَأت بِخَط بعض الْأَصْحَاب أَن وِلَادَته كَانَت نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف
عبد الْحَيّ بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد محب الدّين بن أبي بكر تَقِيّ الدّين بن دَاوُد المحبي الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي ابْن عَم أبي الْفَاضِل الْكَامِل كَانَ من لطف الطَّبْع وسلامة النَّاحِيَة على جَانب عَظِيم وَكَانَ مَقْبُول الْعشْرَة حسن الْخلق والخلق سخياً متودداً نَشأ فِي دولة أَبِيه الباهرة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة فَإِنَّهُ حصلا أَمْوَالًا وافرة وتملك أملاكاً جليلة