عبد الْحَيّ بن أبي بكر الْمَعْرُوف بطرز الريحان البعلي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْحَنَفِيّ الأديب الشَّاعِر الْجيد الطَّرِيقَة كَانَ فِي عصرنا هَذَا الْأَخير من أرق من عَرفْنَاهُ طبعا وألطفهم شعرًا وَله قريحة سيالة وفكرة نقادة وَكَانَ عشاقا ولوعا بالجمال يتفانى صبَابَة وعشقا وتأخذه حيرة الغرام فيسكر وجدا وشغفا وَكَانَ سهل الْأَلْفَاظ فِي شعر رَشِيق التأدية قَرَأَ على أَبِيهِم وعَلى قريبهم الشَّيْخ مُحَمَّد السليمي وَأخذ عَن عبد الباقي الْحَنْبَلِيّ وَأحمد القلعي وتأدب بِأبي بكر الْقطَّان الْمَشْهُور بغصين البان وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط صَحِيح الضَّبْط وَكَانَ يحفظ بعض مقامات الحريري وَبهَا تقوى على ضبط اللُّغَة وَكَانَ بعرف اللُّغَة معرفَة جَيِّدَة وَحفظ من الْأَشْعَار شَيْئا كثيرا وتجرد مُدَّة على هَيئته وَدخل فِي هَيْئَة الدراويش السواح فَطَافَ الْبِلَاد وَدخل الرّوم ومصر وحلب وَاسْتقر بِدِمَشْق آخرا وَتزَوج بهَا ثمَّ انْعَزل فِي خلْوَة بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية وَقد عاشرته مُدَّة فرأيته من أكمل النَّاس يمشي فِي الْعشْرَة على قدم وَاحِدَة يتودد وَيحسن المجاملة وَكَانَ مَعَ خلاعته وتولعه بالحب عف الأزار دين مثابرا على الطَّاعَة وَله تهجدات وأوراد وخشية من الله تَعَالَى وَحج آخر عمره فَرجع متنسكا تَارِكًا للدنيا متقشفا وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من خلص الأقوام وَقد جمع لنَفسِهِ ديوانا رَأَيْته بِخَطِّهِ وانتقيت مِنْهُ أطايبه فَمن ذَلِك قصيدته الَّتِي عَارض بهَا قصيدة أبي فراس الحمداني الَّتِي أَولهَا

(يَا حسرة مَا أكاد أحملها ... آخرهَا مزعج وأولها)

ومستهل قصيدته هَذَا

(نفس أمانيها تعللها ... تعلها تَارَة وتنهلها)

(ولوعة فِي الضلوع أصعب مَا ... يذيب صلد الحجار أسهلها)

(غَدَاة بانوا فَلَا وَرَبك مَا ... ظننتني فِي الركاب أثقلها)

(رفقا بهَا حادي المطى فَفِي ... خلب فُؤَادِي تدوس أرجلها)

(وَفِي سَبِيل الغرام لي كبد ... تبيت أَيدي النَّوَى تململها)

(تعلة للمنون قائدة ... آخرهَا كَاذِب وأولها)

(أساور النَّجْم أبتغى قصرا ... لليلتي والجوى يطولها)

(وليت ساجي اللحا طير حم من ... يبيت من أجلهَا يدملها)

(الله فِي ذمَّة أضعت وَفِي ... حشاشة من لَهَا معلمها)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015