(ذُو الِاجْتِهَاد وَذُو الْجِهَاد فمنهما ... يحمى العثار بِهِ ويحمى العثير)
ورثاه حفيده القَاضِي حُسَيْن بن النَّاصِر بمراث طَوِيلَة مِنْهَا قصيدة أَولهَا
(الأَرْض ترجف والسحائب تمطر ... لوفاة بحرٍ بالفضائل يزخر)
مِنْهَا
(عضد لأرباب الْأُصُول وَغَايَة ... مِنْهَا الشموس بَدَت لنا والأقمر)
(وبفكره الصافي تحصل للورى ... علم بِهِ تَصْدِيقه يتصوّر)
(وغدت قضاياها موجهة بِمَا ... يدرى بغامض أمرهَا من يبصر)
وَمِنْهَا
(فالمجد مَرْفُوع بِذَاكَ ومرسل ... وَكَأَنَّهُ يَا حبذا مَا يهمر)
(لم يَنْقَطِع عَن فَضله ذُو فطنة ... فَيُقَال مَتْرُوك هُنَاكَ ومنكر)
(لم يبْق للموضوع فِي أَيَّامه ... أصل يشاد وَلَا طَرِيق يظْهر)
عبد الْحق بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الملقب زين الدّين الْحِجَازِي الْفَاضِل الأديب الْمَشْهُور ذكره كثير من المنشئين وَأَصْحَاب التواريخ والمجاميع وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ معمور الْأَطْرَاف كَامِل الأدوات أديباً مُتَمَكنًا من فنون كَثِيرَة جيد الفكرة لطيف المعاشرة وَكَانَ اشْتِغَاله على وَالِده وغلبت عَلَيْهِ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مَعَ إحاطة تَامَّة بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُول وَصَحب الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر بن فواز الْآتِي ذكره وَكَانَ يَسْتَفِيد مِنْهُ فِي صُورَة المذاكرة وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَله مَعَه مطارحات مَقْبُولَة مِنْهَا مَا كتبه الْحِجَازِي إِلَيْهِ وَقد انْقَطع عَنهُ مجافياً
(يَا غَائِبا والذنب ذَنْبك ... متعتباً الله حَسبك)
(لَا تبعدن فَإِنَّمَا ... أملي من الْأَيَّام قربك)
(فلأصبرن وأرضين ... بِمَا قَضَاهُ الله رَبك)
وَكَانَ خرج فِي شبيبته إِلَى حلب مغاضباً لوالده فَبعث إِلَيْهِ من رده وَرجع بِهِ واستمرت الشحناء بَينهمَا مُدَّة حياتهما وَكَانَ يجفو أَبَاهُ ويهجره وَهُوَ يُقَابله بالمحبة وَلم يزل على مجافاته حَتَّى سَافر إِلَى الرّوم فِي سنة أَربع بعد الْألف وَأخذ عَن أَبِيه الْمدرسَة التقوية وَدَار الحَدِيث الأشرفية وبقيتا عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ ودرس ببقعة فِي الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ لَهُ حجرَة بالجامع القلعي فِي سوق جقمق وَكَانَت الطّلبَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ بهَا وَيَأْخُذُونَ عَنهُ وَكَانَ كثير الْفَائِدَة طَوِيل الباع فِي النّظم والنثر وَله شعر كُله نَفِيس حسن التخيل متين التَّرْكِيب فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة مطْلعهَا
(بَين جنبيّ للتفرق نَار ... وبخديّ للبكا أَنهَار)