والعهدة عَلَيْهِ وَله فِي كل سنة أَيَّام الشتَاء خلْوَة عَامَّة يجْتَمع إِلَيْهَا المريدون فيصومون ثَلَاثَة أَيَّام ويأكلون عِنْد الْمسَاء مِقْدَار أوقيتين من الحريرة ورغيفا من الْخَبَر أَكثر من أُوقِيَّة وَلَا يشربون المَاء القراح بل يشربون القهوى ويستمرون فِي الذّكر وَالْعِبَادَة آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَأما بَاقِي الْأَيَّام فَيقومُونَ سحرًا ويتهجدون على قدر طاقتهم ثمَّ يَأْخُذُونَ فِي الذّكر إِلَى وَقت الْأَسْفَار ثمَّ يصلونَ الصُّبْح لكَون الشَّيْخ حنفيا ويقرؤن الأوراد إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس وَيصلونَ الْإِشْرَاق وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ الْعِبَادَات فِي أَوْقَات الصَّلَوَات المفروضات وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر إِحْدَى وَسبعين سنة
الشريف إِدْرِيس بن الْحسن بن أبي نمى وَتَمام النّسَب تقدم فِي تَرْجَمَة أَخِيه الشريف أبي طَالب صَاحب مَكَّة وَكَانَ من أجل النَّاس من سراة الْأَشْرَاف شهما تهابه الْمُلُوك والأشراف شجاعا حسن الْأَخْلَاق ذَا تودد وسكينة وَكَانَ يكنى أَبَا عون ولد فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأمه هُنَا بنت أَحْمد بن خميصة بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن أبي نمى وَكَانَ لَهُ من العبيد المولدين وَالرَّقِيق الجلب مَا يزِيد على أَرْبَعمِائَة وَمن المقاديم من الْعَرَب جمَاعَة ولي مَكَّة بعد أَخِيه أبي طَالب فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَألف وأشرك مَعَه أَخَاهُ السَّيِّد فهيد ثمَّ خلعه فِي وَاقعَة ذكرتها فِي تَرْجَمته ثمَّ أشرك مَعَه ابْن أَخِيه الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بِاتِّفَاق من أكَابِر الْأَشْرَاف وَتمكن من السطوة والعزة ووفد إِلَيْهِ ومدح كثيرا وَمن أَجود مَا مدح بِهِ قصيدة حُسَيْن بن أَحْمد الْجَزرِي الْحلَبِي وَهِي من أرق الشّعْر وأسوغه ومطلعها قَوْله
(أألزم قلبِي فِيك حبك والصبرا ... سَأَلت مجيبا لَو ملكت لَهُ أمرا)
(وَمَا الْحبّ من يبْقى على الصب لبه ... وَلَا الْقلب من يبْقى وَيحْتَمل الهجرا)
(وَلَيْسَ التمَاس الْعين من سهد لَيْلهَا ... بأمنع مِنْهَا مِنْك إِن لم تكن سكرى)
(طوى أَن أطل شرحا لَهُ قلت هُوَ هوا ... وَيَكْفِيك ذكر النَّار عَن فعلهَا ذكرا)
(وموقف بَين لَا نذيع وداعه ... وَلم ندر الألحاظ الأبه شزرا)
(أحم على الْعَينَيْنِ من وَجه لائم ... وأثقل فِي الأسماع من ذكره وقرا)
(نموه فِي تسليمنا بِأَنا مل ... عَلَيْك فتنضي الْبيض أَو تهززا السمرا)
(وَمن لي بكتم بَين واش وحاسد ... لسرك والأجفان توضحه جَهرا)