(وطغى على فَكل رحب ضيق ... ان قلت فِيهِ وكل حَبل يخنق)
ثمَّ انتهز فرْصَة الْغَفْلَة من حفدته وَدخل الى خلوته بالمشهد الشرقى من جَامع الاموى الْمَعْرُوف بمشهد الْمحيا وقفل الْبَاب وخلع ثِيَابه وَوضع حبلا فى عُنُقه وَألقى نَفسه فَمَاتَ فَدخل وَلَده بعد الْعَصْر مَعَ اتِّبَاعه فوجدوه مَيتا على الصُّورَة الْمَذْكُورَة فَسَارُوا الى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى مُحَمَّد بن مَحْمُود المفتش وَأَخْبرُوهُ بذلك فَأرْسل مَعَهم كشافا فَكتب صُورَة الْكَشْف وأنزلوه ووضعوه فى نعش وأخذوه بعد الْغُرُوب الى بَيتهمْ بالقبيبات وَغسل وَصلى عَلَيْهِ فى قَول أَبى حنيفية رضى الله تَعَالَى عَنهُ وَدفن بمقبرة أجداده بِبَاب الله وأرخ ذَلِك شَيخنَا القَاضِي حُسَيْن الْعَدْوى الْمُقدم ذكره بقوله
(أنظر الى محن الزَّمَان ... ترى الْجواد يَمُوت خنقا)
(قد دارت الافلاك حَتَّى ... ذاقت الاحرار رقا)
(من بعض مَا نَالَ ابْن سعد ... الدّين من نكباته سلبا وَسُحْقًا)
(أَن جاد بِالنَّفسِ العزيزة ... مهديا للروح خنقا)
(فلذاك قلت مؤرخا ... عجبا بِهِ قد مَاتَ شنقا)
وَكَانَ ذَلِك نَهَار الْجُمُعَة رَابِع الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر خمْسا وَسِتِّينَ سنة وَاتفقَ قبل وقعته بِنَحْوِ سنوات أَن رجلا من المجاذيب دخل دمشق واقام بالجامع الاموى سَاكِنا صامتا مُدَّة ثمَّ تكلم أَيَّامًا وَكَانَ يَصِيح بِصَوْت عَال فصيح فى صحن الْجَامِع الشَّيْخ مصطفى بن سعد الدّين شنقوه وَكَانَ النَّاس يعْجبُونَ من ذَلِك غَايَة الْعجب حَتَّى وَقع مَا وَقع قلت وَوَقع فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف أَن الشَّيْخ اسماعيل ابْن الشَّيْخ أَحْمد بن سوار بن أخى الشَّيْخ مصطفى شيخ الْمحيا الْمُقدم ذكره قبل صَاحب التَّرْجَمَة صلب نَفسه فى المشهد الذى صلب صَاحب التَّرْجَمَة نَفسه فِيهِ اقْتِدَاء بالشيخ المترجم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
مصطفى بن سِنَان أحد الموالى الرومية تولى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فى سنة ثَلَاث بعد الالف ثمَّ ترقى حَتَّى ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَكَانَت سيرته مُسْتَقِيمَة فى قَضَائِهِ كُله عفيفا منزه الْعرض الا أَن بضاعته فى الْعلم كَانَت مزجاة وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ قَاض بروم ايلى فى شهر ربيع الثانى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بقسطنطينية
مصطفى بن طه الحلبى نقيب الاشراف بحلب وَأحد رؤسائها وَكَانَ شهما جسورا