الشَّيْخ المجذوب كَانَ من الاسخياء الاجواد حج فى خدمَة وَالِده فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة وسافر الى مصر مَرَّات ثمَّ تعانى طبخ الصابون وَبيع الْحَرِير ثمَّ صَار شيخ زاويتهم بعد وَفَاة أَخِيه الشَّيْخ مُوسَى فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف لعدم وجود أحد غَيره واقبلت الدُّنْيَا عَلَيْهِ ومالت اليه بِالْقَلْبِ والقالب وانحصرت فِيهِ جَمِيع املاك بنى سعد الدّين وأوقافهم وَجمع من المَال مَا فاق بِهِ على آبَائِهِ واجداده وتميز بِهِ على الْمَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَحج ثَانِيًا الى بَيت الله الْحَرَام فى سنة سِتّ وَخمسين بأَهْله وَأَوْلَاده وسافر الى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ حج ثَالِثا وَكَانَ فى جَمِيع شؤنه متناقض الاطوار وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صدق قَوْلهم هُوَ كخبز الشّعير يُؤْكَل ويذم وكالهندية يكره ويلم
(كَمَاء طَرِيق الْحَج فى كل منزل ... يذم على مَا كَانَ فِيهِ وَيشْرب)
وَكَانَ لَهُ ابْن يُسمى سعد الدّين وَكَانَ نجيبا اصيب بِهِ فى طَرِيق الْحَج وحزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا ثمَّ بعد ذَلِك حط بِهِ الدَّهْر واستطالت عَلَيْهِ يَد اللئام واستغرق اوقاته فى النزاع وَالْخِصَام وعارضه بعض حكام دمشق فى كل أَمر وَقع لَهُ فَترك زاويته الَّتِى بالقبيبات وَسكن دَاخل دمشق وَتزَوج أم ولد بعض التُّجَّار ثمَّ تزوج زَوْجَة التَّاجِر الْمَذْكُور ايضا وزادت عَلَيْهِ الاكدار وَكَانَ لَهُ بنت مُزَوّجَة بِبَعْض الاعيان فَمَاتَتْ بعد أَن طَلقهَا وخلفت بِنْتا فَوضع يَده على جَمِيع مخلفاتها وَكَانَ اذا طُولِبَ بِالْمِيرَاثِ يَقُول ان بنى سعد الدّين لَا يورثون الاناث وَله من هَذَا الْقَبِيل كَلِمَات عَجِيبَة فَمن أعجبها أَنه ذكر بعض الافاضل بِحَضْرَتِهِ كتبا مَوْجُودَة عِنْدهم بِخَط مصنفها فَقَالَ وَأَنا عندى متن الْكَشَّاف بِخَط مُصَنفه وَمِمَّا يحْكى عَن وَالِده أَنه لما قدم جَعْفَر باشا محافظ مصر سَأَلَهُ عَن طَرِيقه فَقَالَ على السنانية فَقلت لَو قَالَ على بَاب الله لَكَانَ اصاب وَكَانَ وَقع بَينه وَبَين ابْن أَخِيه الشَّيْخ كَمَال الدّين بِسَبَب المشيخة وَكَانَ يتوسط بَينهمَا جمَاعَة بِالصُّلْحِ فاذا ذكرُوا الشَّرِيعَة فى مقَام الانذار يَقُول ان كَانَ لَهُ شَرِيعَة فلنا طَريقَة وكل هَذَا مبْنى على الجذب والاستغراق فان غَالب بنى سعد الدّين يغلب عَلَيْهِم الْغَرق وَأرى السَّلامَة فى اعْتِقَادهم فان تصرفهم مجرب ثمَّ ان الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة غلب عَلَيْهِ الْحَال وضاق بِهِ المجال وزادت عَلَيْهِ الاتعاب من الْخَارِج والداخل فَأَنْشد لِسَان حَاله قَول الْقَائِل حَيْثُ قَالَ
(جَار الزَّمَان فَلَا جواد يرتجى ... للنائبات وَلَا صديق يشفق)