(طُوبَى لمن أنستموه بكم ... فَهُوَ بِغَيْب يتراآكم)
(وَقد سكنتم فى سويدائه ... فأينما وَجه يلقاكم)
(فَالْعَبْد مِنْكُم واليكم وفى ... بَاب رضاكم يترجاكم)
(وَمَاله من سَبَب موصل ... الى مناه غير رحماكم)
(فَمن يُرْجَى جودكم صَادِقا ... تولوه من فيض عطاياكم)
وَكَانَ يعظ يَوْم الاحد وَالْخَمِيس من كل جِهَة فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان عَن ظهر قلب وَكَانَ الوعاظ غَيره يعظون النَّاس من الكراريس فثار جمَاعَة الشهَاب الطيبى الْمُتَوفَّى فى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة اليه وَقَالُوا كَيفَ يأتى رجل غَرِيب ويعظ غيبا وَأَنت شيخ الوعاظ والمفسرين بِدِمَشْق وتعظ النَّاس من الكراريس فَلَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ترك الكراريس وَصَارَ يملى فى التَّفْسِير وَغَيره ففاق على الداودى لانه كَانَ وَاسع الصَّوْت فصيح الْعبارَة سريع الاملاء وَكَانَ الداودى منخفض الصَّوْت وَله فى لِسَانه رتة الا انه كَانَ صَحِيح الْعبارَة حسن الاستحضار عَلَيْهِ مهابة الْعلمَاء وَله سكينَة وَولى آخر تدريس الاتابكية بالصالحية وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من الْفُضَلَاء الْمشَار اليهم أنبلهم الْحسن البورينى فانه أَخذ عَنهُ الحَدِيث وَذكره فى تَارِيخه وَأَطْنَبَ فى مدحه على عَادَته ثمَّ قَالَ وَكَانَ مَعَ كَمَال فَضله وَغَايَة فطنته ونبله ينظم الشّعْر البديع الذى يعْتَرف بحسنه البديع كتب الى وكتبت اليه وَأورد على وأوردت عَلَيْهِ فَمن ذَلِك أرسل الى ملغزا فى ورد فَقَالَ
(يَا اماما قد حَاز كل الْمعَانى ... ورقى للعلى بِغَيْر توانى)
(دمت للمجد والفضائل كنزا ... دَائِما آمنا من الْحدثَان)
(مَا اسْم شئ لَهُ حُرُوف ثَلَاث ... وحروف تزيد فَوق ثَمَان)
(واذا مَا حرفته كَانَ دأبا ... لذوى الدّين من أولى الْعرْفَان)
(وَكَذَا مَا حذفت أول حرف ... مِنْهُ أضحى فعلا لماضى الزَّمَان)
(واذا مَا عكست ذَا الامر تلقى ... جوهرا فى نحور حورحسان)
(واذا مَا بدلت أول حرف ... مِنْهُ بَاء أضرّ بالانسان)
(أَو بجيم فوصف ثوب معنى ... فَاقِد الْقُوت عادم الامكان)