(وَمَا كَانَ اكل البرش مولاى كى أرى ... بفرحة نشوان وغبطة مسرور)
(ولكننى كنت السَّلِيم ببينكم ... فَكَانَ لآلامى بِهِ بعض تخدير)
وعَلى هَذَا فَانْظُر قَوْله فى الصُّفْرَة الَّتِى وسط الْورْد
(أتظنون صفرَة وسط ورد ... عَبَثا أظهرت لنا ألوانا)
(انما خَافَ من تألم قطع ... فاحتسى قبل قطعه زعفرانا)
وَفِيه ايضا لى
(فتح الْورْد فى الرياض صباحا ... عِنْد مَا قبل النسيم خدوده)
(بلع الزَّعْفَرَان فَهُوَ لهَذَا ... ضَاحِك شقّ من سرُور بروده)
وَهَذَا فن من قرض الشّعْر من النَّوَادِر يُسمى الاغراب وَهُوَ وصف مَا لم يعْهَد وَصفه وتشبيهه وَمن أغرب مَا مر لى فِيهِ قَول ابْن رَشِيق فى ضم الاصابع اشارة للتقليل
(قبلنى محتشم شادن ... أحْوج مَا كنت لتقبيله)
(أَوْمَأ اذ حَيا بأترجة ... عرفت فِيهَا كنة تَأْوِيله)
(لما تطيرت بمعكوسها ... ضمت بنانا نَحْو تقليله)
وَأحسن مِنْهُ قولى
(وأزرار ورد لم تفتح كَأَنَّهَا ... لِمَعْنى بديع للانام تُشِير)
وَذكره البديعى وَقَالَ فى وَصفه فَاضل روض فَضله أريج دبج حدائق معلوماته أدبه البهيج وشاعر رقت طباعه وَكثر اختراعه وابداعه يسترق الْقُلُوب بألفاظه الزاهرة ويسكر الْعُقُول بمعانيه الساحره ينظم فيأتى بِكُل عجيبه ويشنف الاسماع بِكُل غَرِيبه وينثر فينفتض أبكار الدقائق بنظره الثاقب ويجلى غياهب المشكلات بفكره الصائب وَقد تقمص جلابيب المعارف فى عنفوان عمره فأسبغت عَلَيْهِ ظلها الوارف من ابْتِدَاء أمره وَقد توجه الى الرّوم مُقَدرا أَن يبلغ كل مروم وَلم يعلم أَن الحظوظ لَيْسَ بالعلوم قَالَ لما ضَاقَتْ رقاع بلادى ونفدت حقيبة زادى فوقت سِهَام الاحتيال وأجلت قداح الفال فَكَانَ معلاها السّفر سفينة النجَاة وَالظفر طفقت أتوكأ على عَصا التسيار وأقتحم موارد القفار أفرى فلاة يبعد دونهَا مسرى النعى وألطم خدود الارض بأيدى المطى فنت فَتى قَذَفته الْحَال على بريد النَّوَى واعتنقته الهمة العاقرة وألحقت بعزمه