وَكَانَ لَهُ خلق حسن وَلم يزل مواظبا على الْعلم وَالْعَمَل الى أَن مَاتَ فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل
مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن أَبى بكر الملقب تقى الدّين قاضى الْقُضَاة الفارسكورى المصرى المولد نزيل قسطنطينية من أفضل فضلاء الزَّمَان وأبلغ البلغاء نظما ونثرا وبراعة وَكَانَ وَهُوَ بِمصْر اتَّصل بِخِدْمَة قاضيها شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّاء وَتوجه بخدمته الى الديار الرومية وَأقَام بهَا ولازم على قاعدتهم ودرس وَمَا زَالَ عِنْد الْمولى الْمَذْكُور فى المكانة المكينة الى أَن دبت لاجله عقارب الْحَسَد من حَوَاشِيه وندمائه وَطَفِقُوا يركبون الصعب والذلول فى ذمه فَأَبْعَده عَن مَجْلِسه وأقصاه فَلَزِمَ الْعُزْلَة وغضت عَنهُ الابصار وَرمى فى زَاوِيَة الهجران وَله فى ذَلِك أشعار ورسائل يُشِير بهَا الى سوء معاملتهم مَعَه وَمِنْهَا أبياته الْمَشْهُورَة الَّتِى يَقُول فِيهَا
(من الرأى ترك انى بلوتهم ... فَلم أرهم فى الْخَيْر يَوْمًا وَلَا الشَّرّ)
(وَكم من جهول بى وَلم يدر جَهله ... وَلم يدر علمى انه بى لَا يدرى)
(مدحت فَلم ينْتج هجوت فَلم يفْسد ... وعهدى بأشعارى تُؤثر فى الصخر)
(فَلَا يأملوا من بعد خيرى كَمَا مضى ... فقد حيل بَين العير وليأمنوا شرى)
(وَلَا يطعموا فى الْمَدْح منى وَلَا الهجا ... فقد شط شيطانى وتبت عَن السحر)
(وَأَدت العذارى من بَنَات خواطرى ... بقلبى وَأم الشّعْر طَلقهَا فكرى)
الْبَيْت الاول سبكه من الحَدِيث وَهُوَ مَا أخرجه الطبرانى عَن ابْن مَسْعُود اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم فان أول من يسلب أمتى ملكهم وَمَا خولهم الله بَنو قنطوراء وَبَنُو فنطوراء التّرْك وهى جَارِيَة لابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام من نسلها التّرْك وَالْبَيْت الاخير // لطيف الْمَعْنى // وَمِنْه قَول الشهَاب الخفاجى
(بَنَات أفكارى الَّتِى ... وأدتها اذ كسدت)
(موؤدة مَا سُئِلت ... بأى ذَنْب قتلت)
والموؤدة الْبِنْت يدفنها أَبوهَا حَيَّة فى الْجَاهِلِيَّة انْتهى ثمَّ لما مَاتَ أستاذه الْمَذْكُور ولى بعد وَفَاته قَضَاء الْقُدس وَكَانَ من الادب والبلاغة وَالشعر وَصِحَّة التخيل والانطباع فى الذرْوَة الْعليا وَكَانَ عَارِفًا بِكَثِير من الْفُنُون كثير الِاطِّلَاع وَجمع مدائح أستاذه هَذَا الَّتِى مدح بهَا فى بِلَاد الْعَرَب أَيَّام قَضَائِهِ بحلب ودمشق ومصر وَالْتزم أَن يذكر الشَّاعِر عِنْد ايراد شئ من شعره وَلَا يزِيد على توصيفه بِكَلِمَة أَو كَلِمَتَيْنِ وَاعْتذر