حبوب الْحَرَمَيْنِ الَّتِى نضعها فى السَّفِينَة ونادى الْكتاب فى ذَلِك الْوَقْت فَحَسبُوا ذَلِك وَفضل لَهُ من الاجرة شئ كثير فدفعوه لَهُ فى الْحَال وزاده الْوَزير من عِنْده شَيْئا وكساه ثيابًا فاخرة وَبَالغ فى اكرامه وَقَالَ لَهُ الْحُبُوب نزلُوا مِنْهَا فى الساعية الَّتِى تريدوها والباقى يكون فى سفرة اخرى وَأمر أَمِير الصَّعِيد ان يدْفع لَهُ من الْحُبُوب شَيْئا كثيرا وَرجع الشَّيْخ الى الصَّعِيد منصورا مظفرا وَتشفع بِهِ بَقِيَّة المطلوبين بِمَا عَلَيْهِم من الدّين فَقبل شَفَاعَته وسامحهم الْوَزير بذلك وَكَانَ حَافِظًا للمراتب الشَّرْعِيَّة وَمن الْقَائِلين بالوحدة وَكَانَ ملآنا من معرفَة الله تَعَالَى وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى رَجَعَ الى الْحَرَمَيْنِ وَمكث مُدَّة ثمَّ توجه الى الْيمن فى سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَرجع من عَامه فتوفى بِمَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ حادى عشرى ذى الْقعدَة الشَّرِيفَة سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بالشبيكة رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد على بن أَبى الْحسن الملقب نور الدّين الحسينى الشامى العاملى الامام الْهمام الْعَالم المنطيق الجم الْفَائِدَة الْمَشْهُور ذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فِي تَعْرِيفه طود الْعلم المنيف وعضد الدّين الحنيف وَمَالك ازمة التَّأْلِيف والتصنيف الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم رايه فضل يعثر فى مداه مقتفيه وَمحل يتَمَنَّى الْبَدْر لَو أشرق فِيهِ وكرم يخجل المزن الهاطل وشيم يتحلى بهَا جيد الزَّمَان العاطل وصيت حل من حسن السمعة بَين السحر والنحر
(فَسَار مسير الشَّمْس فى كل بَلْدَة ... وهب مهب الرّيح فى الْبر وَالْبَحْر)
حَتَّى كَانَ رائد الْمجد لم ينتجع سوى جنابه وبريد الْفضل لم يقعقع سوى حَلقَة بَابه وَكَانَ لَهُ فى مبدا أمره بِالشَّام مجَال لَا يكذبهُ بارق الْعِزّ اذا شام بَين اعزاز وتمكين وَمَكَان فى جَانب صَاحبهَا مكين ثمَّ انثنى عاطفا عنانه وثانية فقطن بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَهُوَ كعبتها الثَّانِيَة تستلم اركانه كَمَا تستلم اركان الْبَيْت الْعَتِيق وتستنسم اخلاقه كَمَا يستنسم الْمسك الفتيق وَلَقَد رَأَيْته بهَا وَقد أناف على التسعين وَالنَّاس تستعين بِهِ وَلَا يَسْتَعِين والنور يسطع من اسارير جَبهته والعز يرتع فى ميادين جلهته وَلم يزل بهَا الى ان دعى فَأجَاب وَكَأَنَّهُ الْغَمَام امرع الْبِلَاد فانجاب وَله شعر يدل على علو مَحَله وابلاغه هدى القَوْل الى مَحَله فَمِنْهُ قَوْله متغزلا
(يَا من مضوا بفؤادى عِنْدَمَا رحلوا ... من بعد مَا فى سويدا الْقلب قد نزلُوا)
(جاروا على مهجتى ظلما بِلَا سَبَب ... فليت شعرى الى من فى الْهوى عدلوا)