وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَتوفى قَرِيبا مِنْهُ أَخُوهُ ووالده ودفنوا كلهم بالمعلاة رَحِمهم الله تَعَالَى
السَّيِّد عبد الله بن سيف الله السَّيِّد الشريف الْمَعْرُوف بِابْن سعدى القسطنطينى أحدالموالى الاجلاء الاديب المنشى الشَّاعِر المتخلص على دأب شعراء الرّوم بفائزى كَانَ فَاضلا أديبا جسيما وسيما حسن النّظم والنثر فى الالسنة الثَّلَاثَة عَارِفًا بِنَقْد الشّعْر وأساليبه وَله الشُّهْرَة التَّامَّة بالمعرفة والتفنن لقى كثيرا من الْفُضَلَاء وَأخذ عَنْهُم ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَورد دمشق فى خدمَة أَبِيه لما صَار قَاضِيا بالقدس ثمَّ بعد عوده الى الرّوم درس بمدارس دَار الْخلَافَة الى أَن وصل الى مدرسة موصلة السليمانية فَجرى بَينه وَبَين عمر بن سعدى القرمانى الْمدرس امتحان فى مجْلِس الْمُفْتى الاعظم وَكَانَ القرمانى الْمَذْكُور قَلِيل البضاعة جدا لَكِن ساعده الْقدر بِسَبَب انفعال السَّيِّد عبد الله من اقترانه بِهِ فتلاشى فى الْبَحْث وَظهر القرمانى عَلَيْهِ فَقدم عَلَيْهِ الى الْمدرسَة السليمانية وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بعد هَذِه الْوَاقِعَة بالبيتين الْمَشْهُورين وهما
(ان أصلى وذكائى ... من مرادى حرمانى)
(ليتنى كنت من التر ... ك جهولا قرمانى)
ثمَّ بعد مُدَّة وصل الى السليمانية وَدَار الحَدِيث وَولى مِنْهَا قَضَاء سلانيك فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وتعصب عَلَيْهِ طَائِفَة من أَهلهَا فاشتكوا مِنْهُ الى السُّلْطَان ونقموا عَلَيْهِ أَشْيَاء فعزل فى مُدَّة جزئية وَخرج خطّ شرِيف فِيهِ بِأَن لَا يلى الْقَضَاء بعْدهَا فبقى مُدَّة وَقد ضربت الْعُزْلَة عَلَيْهِ حجابها وَانْقطع عَن النَّاس وضاق حَاله من تكدر عيشه وتشتت حواسه حَتَّى ولى شيخ الاسلام يحيى المنقارى منصب الفيتا فأنقذه من ذَلِك الْحَال وشفع لَهُ عِنْد السُّلْطَان بتوليته قَضَاء بروسه ثمَّ نَقله فى مُدَّة جزئية الى ازمير فقوى رياشه وَحسن معاشه ثمَّ بعد مُدَّة ولاه قَضَاء مَكَّة المشرفة فورد دمشق فى منتصف شعْبَان فى سنة ثَمَان وَسبعين وَألف ورأيته بهَا فَرَأَيْت أديبا كَامِل الاوصاف قوى البداهة والحافظة الا أَن طبعه خَارج عَن الطباع لما فِيهِ من شدَّة الْحَرَارَة فقد شاهدته فى بحبوحة الشتَاء واستحكام برد الشأم يجلس كاشفا رَأسه وكأنما بخار الْحَرَارَة الصاعد من رَأسه دُخان مدخنة حمام وَلَا يسْتَقرّ لَحْظَة الا ويتطلب ثلجا فيأكله بنهمة وَكَانَ بَينه وَبَين والدى المرحوم مَوَدَّة سالفة