فإذا شرعت في طلب العلم فلا تقرأ كتب المطولات والخلافيات وأنت في أول الطلب، وإذا بدأت في حفظ المتون فلا تحفظ متناً يحفظه السابقون في أشهر تحفظه أنت في أيام، وكانت طريقة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مع طلابه: يحفظون ثلاثة أبيات من ألفية ابن مالك كل يوم فقط، وثلاثة أحاديث من بلوغ المرام، وثلاثة أسطر من زاد المستقنع، فينتهون من الزاد كل ثلاث سنوات مرة، وبهذه الطريقة المتأنية المتقنة خرج العلماء الراسخون.
والعلماء يمكثون في بعض مصنفاتهم عدد سنين يقول ابن حزم (?): "أنفقت في ذلك أكثر عمري" وهو ثمانون صفحة فقط. وابن حجر مكث في تصنيف "فتح الباري شرح صحيح البخاري" خمسة وعشرين عاماً.
والداعية لا يتطلع إلى ثمرة دعوته بكثرة المستجيبين، بل عمله مقصور على البيان والدعوة، وليست له الهداية وتحويل القلوب، يقول الله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [المائدة: 99].
فأنت بلغ وربك المسدد {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] كم سعى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إسلام عمه أبي طالب فلم يحصل له ما أراد {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
ومن الأنبياء من اجتهد في دعوة قومه سنين عدداً فلم يستجيبوا له، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد». (رواه البخاري).
فاعمل صالحاً بإخلاص ولا تتطلع إلى ثمرة العمل.