الرجل الموفق هو الذي لا يتأثر بمدح الناس فإذا أثنوا عليه خيراً إن فعل طاعة لم يزده ذلك إلى تواضعاً وخشية من الله، وأيقن بأن مدح الناس له فتنة، فدعا ربه أن ينجيه من هذه الفتنة، فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله، وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع لك ودفع الضر عنك، يقول ابن الجوزي (?): "ترك النظر إلى الخلق ومحو الجاه من قلوبهم بالعمل وإخلاص القصد وستر الحال هو الذي رفع من رفع".
إذا شعر العبد بأن الذين يرائي لهم سوف يقفون معه في المحشر خائفين عارين أدرك أن صرف النية لهم في غير محله حيث لم يخففوا عنه وطأة المحشر، بل هم معه في ذلك الضنك، فإذا عملت ذلك علمت أن إخلاص العمل حقه أن لا يصرف إلا لمن يملك جنة وناراً.
فعلى المؤمن أن يوقن بأن البشر لا يملكون جنة يقدمونك إليها، ولا قدرة لهم على إخراجك من النار لو طلبت منهم إخراجك منها، بل لو اجتمعت البشر كلهم من آدم إلى آخرهم، ووقفوا خلفك، لما استطاعوا أن يقدموك إلى الجنة ولو بخطوة واحدة، إذاً لماذا ترائي البشر وهم لا يملكون لك شيئاً؟ قال ابن رجب (?): "من صام وصلى وذكر الله، ويقصد بذلك عرض الدنيا، فإنه لا خير له فيه بالكلية، لأنه لا نفع في ذلك لصاحبه، لما يترتب عليه من الإثم فيه ولا لغيره". أي ولا نفع فيه أيضاً لغيره.
ثم إن الذين تُزين عملك لهم من أجل أن يمدحوك لن تحصل مرادك منهم، بل إنهم سوف يذمونك، وتفضح عندهم، ويلقى في قلوبهم بغضك، يقول عليه الصلاة والسلام: «من يرائي الله به» رواه مسلم. أما إذا أخلصت لله أحبك الله الخلق، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا