لا جرم أن ارتقاء الشام في هذه الفنون على اختلاف فروعها، موقوف على ظهور نوابغ من أبنائنا يرحلون إلى الغرب لنقلها والتشبع بآدابها، ثم يعودون فيلوبون على إحياء ما اندثر أو كاد من هذه الصناعات النفيسة في القطر، وينشرونها على النظام الغربي الحديث على صورة مقبولة، وإذا نشأت بعد ذلك مدرسة واحدة راقية في كل فن من هذه الفنون لا يأتي جيل ثانٍ بعد جيلنا هذا حتى يكون عند أهل القطر العدد الذي يحتاجون إليه من الأعيان الذين لا غنية للمجتمع الشامي عنهم في إنهاضه. ويشترط في من يريدون الإخصاء في هذه الفنون أن يكونوا ممن يحبون أن يُعرفوا بما اختصوا به، أو يسعوا طاقتهم لنشره، ومن لا يحب صنعته ولا يفاخر بها لا يبرز فيها، وعندئذ نعدّ شيئاً مذكوراً بين أمم الحضارة في باب هذه الفنون كما كان أجدادنا.
يقول الجاحظ: إن الضحك في موضعه كالبكاء في موضعه، والتبسم في موضعه كالقطوب في موضعه، وإنما تشاغل الناس ليفرغوا، وجدّوا ليهزلوا، كما تذللوا ليعزوا، وكدوا ليستريحوا، وقد قسم الله الخير على المعدلة، وأجرى جميع الأمور إلى غاية المصلحة، وقسط أجزاء المثوبة على العزيمة والرخصة، وعلى الإعلان والتقية، فأمر بالمداراة كما أمر بالمباداة، وجوّز المعاريضن كما أمر بالإفصاح، وسوغ المباح، كما شدد في المفروض، وجعل المباح جِماماً للقلوب، وراحة
للأبدان، وعوناً على معاودة الأعمال اه.