ما عرف إلا عند الجنس الآري فقط. ومن ذلك الفرس وهم آريون خلفوا للعرب كتاب ألف ليلة وليلة وهو اختراع آري فيه شيء من التمثيل.
وكان العرب في الجاهلية والإسلام يرون من سقوط المروءة أن يمثل مجلس الأمير أو الوزير، وإن كان لا يخلو تمثيله من حكمة، فكيف بمجلس صبابة، ومعظم التمثيل يدور عليها، لا جرم أنهم قصروا في التمثيل، وتقاعسوا عن اقتباسه عن الأمم الآرية، وإن عرف من حالهم أنهم لم يأخذوا عن الأمم الأخرى إلا ما اشتدت حاجتهم إليه من أنواع العلوم، أدمجوه في حضارتهم ومزجوه بأجزاء نفوسهم. وإذ كان التمثيل لا ينطبق مع عادات العرب ولا عُرف به مجتمعهم أعرضوا عنه، وجاء الإسلام موافقاً لمصطلحهم وعاداتهم وأخلاقهم في بعض الأحوال.
بيد أن العصر الأخير لم يصنّ على الشام بتجلي الآداب الرفيعة فيه، فقام فيها سنة 1282هـ في دمشق أيضاً رجل من أبنائها هو السيد أحمد أبو خليل القباني من المبرزين في الموسيقى المشود لهم بالإجادة فأنشأ داراً للتمثيل، وبدأ يضع روايات تمثيلية وطنية، من تأليفه ونظمه وتلحينه، ويمثلها فتجيء دهشة الأسماع والأبصار، لا تقل في الإجادة من حيث موضوعها وأزياؤها ونغماتها ومناظرها عن التمثيل الجميل في الغرب. واعتاض لأول مرة عن النساء بالمرد، ولما انتقل إلى مصر لنشر فن التمثيل العربي هناك، عاد إلى الطبيعة واستخدم في كل دور من يصلح له من الجنسين، ووجه الفخر في أبي خليل أنه لم ينقل فن التمثيل عن لغة أجنبية، ولم يذهب إلى الغرب لغرض اقتباسه، بل قيل له: إن في الغرب فناً هذه صورته فقلده، وقيل: إنه شهد رواية واحدة مثلت أمامه في إحدى المدارس الأجنبية، ولما كانت عنده أهم أدوات التمثيل وهو الشعر والموسيقى والغناء ورأى أنه لا ينقصه إلا المظاهر والقوالب، أوجدها وأجاد في إيجادها، ولذلك كان أبو خليل مؤسس التمثيل العربي، ونابغة العرب في الموسيقى والتمثيل، ورواياته التي ألفها ما زالت منذ زهاء ستين سنة وإلى يوم الناس هذا، موضع إعجاب الأمة،
تمثل في دور التمثيل وتلذ الجمهور مثل رواية أنيس الجليس وغيرها.
هذا وإن سبق لمارون النقاش في بيروت في سنة 1848هـ من إحدى