خطط الشام (صفحة 972)

ونشأ منها صناعة جديدة هي الصناعة العربية. وأجمل هذه الصناعات على ما قال هوار الجوامع والقصور، والتقليد محسوس ولكنه تقليد غير أعمى، لأن تأثيرات الأساتذة الأقدمين لا تمنع من البحث العلمي والاختراع الحديث، كما أن مشهد البدائع القديمة ودرسها لا يحولان دون التفنن ولطافة الإبداع والاختراع. قال: وفي الشرق نشأت هذه المدنية وكانت دمشق إحدى مراكزها.

وقال جلابرت: ومن المصانع المنوعة في الهندسة الشامية شيئان يلفتان النظر خاصة وهما البيع والأبنية ذات السطوح. وكان المهندسون الشاميون فيها عالةً على الشرق يسترشدون بآراء مهندسي فارس. وقد أثرت الهندسة الشامية إذ ذاك في هندسة كثير من الأمم ولا سيما في بيزنطية، وأخذت بيزنطية عن الشام أو من طريق مصر عن الشام، أصول كثيرة من الأبنية، وقال لامنس: إن الهندسة والتصوير والنقش وفنون الزينة أخذت تسير في طريق مستقلة عن النموذجات اليونانية والرومانية التي كانت منذ عهد السلوقيين مؤثرة في جميع الصنائع النفيسة، وانشأ المهندس الشامي يرفض استعمال الملاط بين الأحجار ويكتفي بحسن وضعها على صورة متوازية تقوى بها بدون لحمة بين أجزائها، واستعاض

عن الآجرّ المألوف على عهد الرومان واليونان بالحجر النحيت، وبنى الكنائس ذات القباب فكثرت البيع البديعة التي يعجب الأثريون بخرائبها العظيمة اليوم وعنها أخذ بناة الكنائس الرومانية اه.

كان أساتذة العرب في البناء لأول أمرهم أُناساً من الروم، فكان بين أبنيتهم الأولى وأبنية النصارى وجه شبه، فقد بني المسجد الأقصى على مثال كنيسة القبر المقدس، ونقل استعمال القباب من الشرق إلى الغرب، ولم تكن معروفة إلا في هذا الشرق، وقد أفرط العرب كالروم في استخدام الفسيفساء في الجدران والقباب، وزادوا في هذه الفصوص ما ابتدعوه من عندهم، وكان محبباً إلى نفوسهم، جميلاً في عيونهم. ويقول بعض العارفين: إن الشام لا يحوي كثيراً من المصانع الخارقة للعادة من صنع العرب، لأنهم اكتفوا بما وجدوه في القطر من المباني القديمة، فاستعملوها على ما يشاءون، ولطالما بنوا بمواد أخذوها من أبنية قديمة.

أما هندسة الصليبيين فأكثرها حصون وقلاع، ولا يعرف إذا كانت في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015