وعلى عهد الإسكندر دخل الشام طرز جديد في البناء أي أصول الهندسة اليونانية.
غصت جبال الشام بالمغاور الطبيعية والصناعية، ومنها ما كان لسكنى أهلها قبل أن عرف التاريخ، ومنها ما جعلوه قبوراً لموتاهم في الأمم التي عرف بعضها التاريخ، وقد ثبت بهذه المغاور أن الشاميين استعملوا منذ الزمن الأطول آلات من المعادن لقطع الحجر ونحته. ولا يمكن تحديد العصر الحجري في الشام، ويمكن أن يردّ العصر المعدني إلى ثلاثة آلاف سنة قبل المسيح. وفي غربي الأردن آثار كثيرة من ذلك، وكلها ذات صلة بعبادات الأقدمين. واحترام الأحجار المقدسة كان قديماً منتشراً في جميع أرجاء الشام. ومن المغاور مغاور عدلون بين صيدا وصور ومغاور نهر إبراهيم في لبنان، ومغاور بيروت وجبيل وأنطلياس، ومن مصانع فلسطين الصهاريج ومعاصر الزيت والخمر. وبناء الفينيقيين من هذا النوع أجمل من بناء العبرانيين.
وقد اقتبس العبرانيون في أصول مبانيهم مباني الفينيقيين، وهؤلاء أخذوا على ما يظهر من المصريين، وقد قيل: إن بنائين فينيقيين هندسوا معبدي داود وسليمان. ويقول سنيوبوس: إن القدس كانت بالنسبة لبابل وثيبة عاصمة أقاليم فقيرة، وما كان العبرانيون يتعاطون البناء ويميلون إلى العمران، بل كانت ديانتهم تحظر عليهم إقامة المعابد، ولم يكن في القدس إلا قصر سليمان وهو أول معبد عبراني.
وأخذت الشام أصول الهندسة اليونانية وتناغت بها قبل أن يفتحها الإسكندر. ولم يبق من الآثار اليونانية على كثرتها في الشام بقدر ما بقي من الآثار الرومانية.
فإن الرومان أنشئوا مدناً برمتها خططوها على أصولهم. وكان من هذه المدن ما بني على نفقة أباطرة رومية. ومعلوم أن الرومان تفننوا في البناء وخلفوا في كل مكان امتد سلطانهم عليه آثار الهندسة من طرق وقنوات وأسوار ومسارح وملاعب وحمامات، مما شهد لهم باتساع الفكر ومعرفة الهندسة والمتانة في العمل وجما الأسلوب. لا جرم أن علاقة الشام بإيطاليا أقدم من الإسلام، علاقتها بأرضنا مذ كنا ولاية رومانية تحكمنا رومية عاصمة تلك الأمة العظيمة.
وأخذ النصارى في بناء كنائسهم عن فارس والشرق، ثم اقتبس منهم الرومان أصولهم في البيع، وما لبثت الصناعات الفارسية والبيزنطية أن اختلطت