ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه. فقال: لئن كنت صدقتني ليرثن ما تحت قدمي هاتين.
ولما انتصر المسلمون بفِحل وقدم المنهزمون من الروم على هرقل بإنطاكية دعا رجالاً منهم فأدخلهم عليه فقال: حدثوني ويحكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا: بلى. قال: فأنتم أكثر أو هم؟ قالوا: بل نحن. قال: فما بالكم؟ فسكتوا، فقام شيخ منهم وقال: ألا أُخبرك إنهم إذا حملوا صبروا ولم يكذبوا، وإذا حملنا لم نصبر ونكذب، وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويرون أن قتلاهم في الجنة وأحياءهم فائزون بالغنيمة والأجر. فقال: يا شيخ لقد صدقتني ولأخرجن من هذه القرية ومالي في صحبتكم من حاجة، ولا في قتال اليوم من أرب. فقال ذلك الشيخ: أنشدك الله أن تدع سورية جنة الدنيا للعرب وتخرج منها ولم تعذر. وما زال به حتى ثناه إلى المقام وأرسل إلى رومية وقسطنطينية وأرمينية وجمع الجيوش وقاتل العرب.
وبعث أخو ملك الروم لما تراءى العسكران في اليرموك رجلاً عربياً من قضاعة
وقال له: ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة ثم ائتني بخبرهم فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر فأقام فيهم ثم أتاه فقال: ما وراءك قال: هم رهبان بالليل فرسان بالنهار، لو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجموه إقامة للحد. فقال صاحب جيش الروم: لئن كنت صادقاً لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها.
ومما أعانهم على تأييد سلطانهم تسامحهم مع أهل الذمة وحمايتهم لهم؛ فكانوا كأنهم بين أهلهم وعشيرتهم، لا يرهبون من وراءهم كما أنهم لم يرهبوا من أمامهم. روى البلاذرى أن هرقل لما جمع للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغَشْم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم