به هذا القرن على صورة لم يسبق لها مثال إنشاء ثلاث مدارس للطب ومدرسة للهندسة في دمشق فكان في هذه العاصمة أعظم جامعة إسلامية عربية حوت العلوم الدينية والدنيوية فلم تكن دون القاهرة بأزهرها الذي
بني في القرن الرابع ولا بغداد بمدرستها النظامية.
اختص القرن الثامن بقيام أعظم مصلح فيه وفي قرون كثيرة من قبله ومن بعده، أراد إرجاع الدين إلى نضرته الأولى، وتعريته من القشور التي ألصقها به الجهلة المتنمسون، فآذوه وعذبوه، وسجنوه ونفوه، ونعني به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية نابغة النوابغ في الشرع وصاحب التآليف العديدة الممتعة المطبوعة، وإمام المعقول والمنقول، وسيد العلماء، ورأس الفقهاء 728 وإن دمشق لتفاخر وحق لها الفخر بأنها تجلت فيها روح ابن تيمية، ودفنت أعظمه في تربتها، ولكن عصره يخجل كل الخجل من أعمال من ناهضوه مدفوعين بعامل الحسد، ولا سيما المشايخ بنو السبكي الذين آذوه فأكثروا من أذاه، طمعاً في نيل الحظوة من العامة والملوك واستعانوا بنفوذهم السياسي في حكومة مصر والشام فاعتقلوه زماناً في القاهرة والإسكندرية ودمشق، والأمة وعقلاء علمائها تقدسه حتى لقي ربه. وقد أشبه ابن تيمية في دعوته في الإسلام لوثيروس صاحب المذهب الإنجيلي في النصرانية بيد أن مصلح النصرانية نجح في دعوته، ومصلح الإسلام أخفق ويا للأسف.
قال السيوطي: إن دمشق كثر بها العلم في زمن معاوية ثم في زمن عبد الملك وأولاده وما زال بها فقهاء ومحدثون ومقرئون في زمن التابعين وتابعيهم ثم إلى أيام أبي مسهر ومروان بن محمد الطاطري وهشام ودحيم وسليمان بن بنت شرحبيل ثم اصحابهم وعصرهم. وهي دار قرآن وحديث وفقه، وتناقص بها العلم في المائة الرابعة والخامسة وكثر بعد ذلك ولا سيما في دولة نور الدين