الحربية ومآثرهم العلمية، لا جرم أن من ينشئ هذه المصانع وينزل فيها لا بد أن يكون جانب من الغنى، وهذا لا يزكو إلا بالعلم المختلف الضروب وفي ظل حضارة بديعة.
تاريخ العلم في العرب من أغرب ما سُمع في تاريخ البشر، كانوا أول ظهورهم
نصف متمدنين يكثر فيهم الأميون ويقل من يكتب فيهم حتى في أهل الطبقة الأولى، ويعد فيهم من الممتازين من يحسن الكتابة، خرجوا فجأة من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم، ومن ضيق البداوة إلى متسع المدنية. ولما جاء الإسلام لم يكونوا مولعين بغير الشعر والخطب، لا يعرفون غير الفصاحة والبلاغة، وهما في نظرهم جماع كل العلوم، ينقلون أنسابهم وأخبارهم في الصدور، وعلومهم في الطب والنجوم عبارة عن تجارب شخصية أو تقليدية، ولم يكن التدوين يعهد عندهم، وكانت حدثت هذه الكتابة بالخط العربي قبل الإسلام بقليل نقلها إلى الحجاز حرب بن أمية، وكان قدم الحيرة فعاد إلى مكة بهذه الكتابة. أخذت الكتابة من واضعها مرامر بن مرة. وأول من علم بمكة الكتابة عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلم الكتاب بالمدينة، وكان ممن أُسر ببدر ولا مال له، فقبل منه أن يعلم عشرة من غلمان الأنصار الكتابة ويخلي سبيله، فيومئذ تعلم الكتابة زيد بن ثابت.
ولما فتحت الشام وكانت أشبه بنصف عربية بمن حكمها من الغسانيين في الجنوب والوسط والتنوخيين في الشمال من عمال الروم ومن كان ينزلها من القبائل والبطون العربية في أرجاء تدمر والفرات وغزة وسينا، كان الشعر مما يفاخرون به، وإذا نشأ فيهم شاعر رفعوا من شأنه واعتمدوا على قريحته في الشدائد. وكان جبلة بن الأيهم من ملوك الغسانيين شاعراً مجيداً يعجب بالشعر ويجيز عليه وهو ممدوح حسان بن ثابت ومن أهل بيته فصحاء لا يستهان بهم. جاء الشام في الجاهلية كثير من شعراء جزيرة العرب وكأنهم كانوا ينزلون على أهل جيلهم وقبيلهم، ومنهم امرؤ القيس وقد ذكر في شعره بعض أرجاء