وهي إحدى المدارس العالية في العالم السرياني، ونشأ منهم سمعان العمودي وبالاي والقديس إسحاق الإنطاكي، ومن فحول شعراء السريان، اخسنايا المنبجي أحد غلاة المنوفسية الطبيعة الواحدة ويوحنا بن افتون القنسريني شيد ديراً على ساحل الفرات عرف بدير قنسرين، وكان جامعة للآداب والمعارف الآرامية عصراً طويلاً مات سنة 538 وتوما الحرقلي نشأ في دير ترعيل قرب حلب وتلقى العلم في قنسرين وقد ترجم الأناجيل وغيرها من الأسفار المقدسة من اليونانية إلى السريانية.
ومن المدارس التي أنشأها السريان في غير أرض الشام، ولكنها خرّجت للشاميين
رجالاً أيضاً، وسرى من علومها على هذا القطر نسمات مباركات، مدرسة حران، وقد أخذت الشام ولا سيما شماليها منذ القرن الخامس تغص بالمدارس والأديار حيث تُدرس الآداب السريانية، ويتنافسون مع المدارس العالية الأخرى في ديار السريان، وكانت حران بمثابة آثينة العالم الآرامي، كما انبعثت من مدرسة نصيبين في ديار مضر في القرن الرابع شعلة الآداب الكلدانية الآرامية. وفي تاريخ كلدو وأثور أن مدرسة نصيبين كانت أول مدرسة في الشرق، أزهرت في القرن الخامس والسادس والسابع وبلغت عزها ومجدها، واشتهرت مدرسة نصيبين أكثر من مدرسة اورهاي اشتهار مدرسة المدائن وغيرها، وكان صيتها في فارس والروم وإيطاليا وأفريقية، وهي أول كلية لاهوتية بل أول جامعة درّس فيها علن الإلهيات، وظهر منها علماء كفاة كتبوا في الفنون ولا سيما في الإلهيات. واشتهر اليعاقبة كالنساطرة في العلم والتأليف. والنسطوريون أكثر عدداً، واليعاقبة أكثر مادة. وكان يرشح من علوم هؤلاء الآشوريين على الشام شيء كثير للاشتراك في اللغة والدين إذ ذاك.
هذا بعض ما انتهى إلينا من أخبار العلم ونوابغه في الشام من الفينيقيين والسريانيين والرومانيين والبيزنطيين وما زالت بعض آثارهم وأخبارهم شاهدة بفضلهم، وأنهم ليسوا دون من خلفهم في أمور كثيرة، مما اهتدى إليه العقل البشري، فإن حرمنا كتبهم لأن الكتابة كانت على حالة ابتدائية فلم نحرم كتابات لهم مزبورة على بعض الأحجار، دونوا فيها أعمالهم