وأصبح لهذا العصر طراز خاص عرف به لم يكن له منذ عرف تاريخ الأدب العربي أي منذ زهاء خمسة عشر قرناً. وكان للصحف والمجلات ولانتشار الآداب الإنكليزية والفرنسية والتركية وغيرها تأثير كبير في هذا الانقلاب الأدبي في ديارنا، والمبرزون في ما زالوا قلائل جداً، ويرجى أن لا يمضي عقدان أو ثلاثة من السنين حتى تكون الشام أخت مصر في هذا الشأن مع مراعاة النسبة بين حالة القطرين السياسية، والنظر إلى وفرة السكان والغنى، وتوفر أسباب التعليم العربي في القطر المصري.
صمت تاريخ العلم هذه الديار عن ذكر الرجال الذين اشتهروا مثلاً على عهد الحثيين ومن كان قبلهم من القبائل التي نزلت الشام، وخلفت فيها آثاراً في العمران لا تقوم بغير العلم، ولم ينقل إلا أسماء قليلة اشتغل أربابها بالعلم الديني والدنيوي على عهد بعض الدول الحالفة، ولا سيما الكلدان والعبران والرومان واليونان، ولولا بعض عاديات أثرت عن الأمم التي تأصل حكمها في بعض أرجاء القطر، وأخبار نقلتها التواريخ الصحيحة لقلنا إن أكثرهم كانوا أمماً بدوية على الفطرة. وأهم ما أُثر عن الفينيقيين مما ساعد العلم بالنسبة لعصورهم اختراعهم حروف الكتابة، بل تحسين أصولها وجعلها مطابقة للأصوات، ونقلهم لها إلى الأمم التي أبحروا واتجروا معها، وعنهم أخذتها أُمم الحضارة الحديثة النازلة على شواطئ البحر المتوسط وما إليها. وهذا الاختراع أهم ما عرف في القديم كما كانت الطباعة في القرون الحديثة أهم اختراعاتها في نظر العلم. قال بورتر: لا يستحق الذكر من علوم الفييقيين سوى علم الكتابة بحروف هجائية، وليس هم أول من استعملوا الكتابة لنا علمنا من الآثار أنها كانت عند المصريين والكلدانيين قبل
عهدهم، غبر أن كتابتهم لم تكن بحروف وفق الأصوات البشرية الأصلية كالحروف الهجائية التي استنبطها الفينيقيون واعتبروا بها كل الاعتبار لأنهم أتقنوا الكتابة ونشروها بين أكثر الأمم المتمدنة لاتساع تجارتهم، فإن الحروف الهجائية في لغات أوربا وغربي آسيا وشمالي أفريقية مشتقة من حروفهم.