بطريقته المستملحة في الكتابة المسجعة على الأغلب، وحذا حذوه العماد الكاتب ثم ضياء الدين ابن الأثير صاحب المثل
السائر وغيرهما من كتاب الدولة أخذت تضيق حلقة الكتابة وهي احتذاء مثال المجودين من القدماء لحصرها في قيود الجناس والبديع والأسجاع فجمدت القرائح وقل المبرزون فيها المجيدون لصناعتها، فما بالك بالإنشاء الذي هو ابتكار المعاني والإبداع في القوالب. وإذا استطعنا أن نعد عشرة كتب في القرن الواحد لا نقوى على عدّ منشئ واحد فيه. وحكمنا هذا مبنيّ على ما قرأناه فيما خلفه السلف في هذه الديار من الكتب والآثار المبعثرة في بطون الدفاتر، وربما كان في المفقود الذي لم يصلنا من هذا النوع ما يؤهلنا لو ظفرنا به، أن نصدر حكواً أصح من هذا على فنون الإنشاء والكتابة والشعر والنظم، والإنشاء من الكتابة كالشعر من النظم.
ولو لم ينبغ في الكتابة من المؤلفين أمثال القفطي وياقوت وابن أبي أصيبعة وابن العديم ثم الصفدي وابن فضل الله والمقريزي والشهاب الحلبي وأمثالهم في القرنين السابع والثامن لقلنا إن الانحطاط في الكتابة بدأ في الشام منذ القرن السادس، بيد أنها أصبحت في الحقيقة سجعاً كسجع الكهان بظهور ابن عربشاه الدمشقي وابن حجة الحموي وأمثالهما في القرن التاسع، أما في القرن العاشر وما بعده فإن الكتابة كالشعر كانت إلى التكلف والسجع غالباً، ومن أفلت من المؤلفين من قيد التكلف، ونجا من الترصيع والتسجيع، جاء كلامه مقبولاً في الجملة وقليل ما هم.
بقيت الكتابة والشعر ترسفان في قيودهما القديمة إلى أوائل القرن الرابع عشر أيام نشأ للأمة في مصر بضعة شعراء ومنشئين أدخلوا الآداب في طور جديد ونزعوا عنها ثيابها البالية، وألبسوها حلة قشبية، فقام من المنشئين أمثال محمد عبده وإبراهيم المويلحي ثم المنفلوطي وطه حسين والعقاد وأضرابهم. ومن الشعراء محمود سامي وإسماعيل صبري ثم حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وتلك الحلبة، وانتشرت كتاباتهم وقصائدهم في العالم العربي ومنها اقتبس شعراء الشام وكتابه
وبطريقتهم اقتدوا وغيروا أسلوبهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون. وما أسلوبهم إلا الجمع بين متانة القدماء ورقة المحدثين،