أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في
كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس من الأمر لئلا يضعفوا. وهزم الروم وقتل منهم على الواقوصة ما يزيد على مائة ألف ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة، وكانت من أعظم فتوح المسلمين وباب ما جاء بعدها من الفتوح، لأن الروم كانوا قد بلغوا في الاحتشاد فلما كُسروا ضعفوا ودخلتهم هيبة.
وفي كتاب أبي حذيفة أن المسلمين أوقعوا بالروم يوماً باليرموك فشد خالد في سرعان الناس وشدّ المسلمون معه يقتلون كل قتلة، فركب بعضهم بعضاً حتى انتهى إلى أعلى مكان مشرف على أهوية فأخذوا يتساقطون فيها وهم لا يبصرون. وهو يوم ذو ضباب - وفي رواية ثارت فيه الرياح الهوج - وقيل: كان ذلك بالليل وكان آخرهم لا يعلم بما صار إليه الذي قبله حتى سقط فيها ثمانون ألفاً فما أحصوا إلا بالقضيب، وسميت هذه الأهوية بالواقوصة من يومئذ لأنهم واقصوا فيها أي اقتربوا، فلما أصبح المسلمون ولم يروا أعداءهم ظنوا أنهم قد كمنوا لهم حتى أخبروا بأمرهم.
وقال سعيد بن بطريق: بلغ ماهان قائد الروم أن العرب قد خرجوا من طبرية يريدون دمشق، فجمع عسكره وخرج منها وسار يومين حتى نزل على وادٍ كبير يقال له وادي الرماد، ويقال للموضع الجولان ويعرف بالياقوصة، وصير الوادي بينه وبين العرب شبيه الخندق وأقاموا أياماً والعرب بحذائهم. وبعد أيام خرج منصور العامل من دمشق يريد عسكر ماهان ومعه مال قد جباه من دمشق بالمشاعل، فلما قربوا من العسكر ضربوا وبوّقوا وصاحوا، وكان ذلك من منصور مكيدة، فلما نظر الروم إلى المشاعل