وهجوا، ونال العامة منهم بإيعاز الزعماء. ولكن كان أهل المصالح الحقيقية يحاذرون التهور، ويودون لو تتفاهم الحكومة الوطنية مع حكومة الانتداب، ولطالما نصحوا سراً للقائمين بالدعوة إلى الاستقلال أن يترووا في الأمر ولا يعمدوا إلى المقاومة الفعلية لاعتقادهم مضرة ذلك، وأن يجعلوا سلاحهم المناقشة بالحسنى لئلا تنزل فرنسا المن الأربع حرباً، وأن يقبل مستشاروهم وبعض مطالبهم الخفيفة، وأن يرسل إلى باريز ولندرا وفد من أرباب المكانة والمعرفة يطلب شروطاً موافقة للانتداب في الشام وهو واقع لا محالة، إذ ليس في يد الملك فيصل ولا في يد أبيه الملك حسين عهد وثيق من دول الحلفاء يثبت له أو لأبيه ملكية الشام، وغاية ما ربحه الملك حسين من اتحاده مع الحلفاء في الحرب استئثاره بملك الحجاز. وكان الحلفاء وعدوا أن يمنحوا العرب استقلالهم ويساعدوهم عل نيله، وبهذه الوعود انضم نحو
ثمانين ألفاً من العرب إلى صفوفهم وقاتلوا معهم الأتراك بقيادة الأمير فيصل الذي كانوا ينظرون إليه نظرهم إلى قائد من قوادهم، ولكن الحلفاء لما تم لهم الظفر لم يفوا بوعودهم على ما يرضي العرب.
بعد وقعة ميسنون المحزنة فصلت إدارة البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا عن أحكام المدن الأربعة واستقل الجنرال دي لاموت بأحكام حلب ودير الزور والإسكندرونة، وظلت دمشق وحمص وحماة وحوران دولة ذات، وزارة وكانت عجلون والصلت وعمان ومعان جعلت حكومة برأسها سموها حكومة شرقي الأردن ثم دعيت حكومة الشرق العربي، وذلك بإمارة الأمير عبد الله شقيق الملك فيصل، وهكذا دخلت المدن الأربع في الانتداب الفرنسي كما دخل الساحل لأول عهد دخول الحلفاء. وخطب الجنرال غورو في دار الحكومة بدمشق قائلا إن فرنسا ما جاءت إلى هذه الديار مستعمرة وسترونها أمينة على تقاليدها، راغبة في أن تضمن استقلالكم في عهد الوصاية الحر، قال إن العصاة التي كانت تهاجم الجيش الفرنسي لم يكونوا من الأشقياء فقط، وكان يقودهم ضباط الجيش النظامي، وتمد بالأسلحة والأعتاد والمال، ومع أن فتكها لم يكن شديداً في جنود فرنسا فإن أضرارها كانت عظيمة على الطوائف العزلاء إذ دمرت بيوتاً وأحرقت قرى ونهبت الأموال والمواشي، وكانت