كانت الدولة العثمانية في السنة الأولى للحرب أجلت من الأناضول إلى الشام عشرات الألوف من الأرمن، وأعملت فيهم السيف وقتلت مئات الألوف صبراً بطرق مختلفة، لأن بعض أبناء جنسهم قطعوا خط الرجعة على الجيش العثماني أثناء حربه في جبهة روسيا، فصدر أمر الحكومة العثمانية أن يقتل الأرمن قتلاً عاماً، ويقال: إنه هلك فيه نحو مليون نسمة منهم ومن لم تستطع الدولة قتلهم بعثت بهم إلى ديار العرب، رجاء أن تجد سبيلاً آخر لقتلهم، ويقال أن الألوف التي جلتها إلى الشام كانت توعز من طرف خفي بقتلها، ولكن العرب أظهروا من الشمم والكرم ونصرة الضعيف ما فطرت عليه أخلاقهم فلم يمسّ الأرمن بأذى حتى في أقصى الشرق والجنوب من الشام حيث تكثر الجهالة والهمجية.
ولما دخلت جيوش الحلفاء الشام كان في جملة كتائب فرنسا متطوعة من الأرمن، فوقع في نفوس بعضهم أن ينتقموا من العرب عما جنته أيدي الأتراك على أبناء مذهبهم فقابلوا إحسان العرب إليهم بالإساءة، وبدءوا ببيروت فأطلقوا بنادقهم على بعض البيروتيين علناً وقتلوا بعض الوطنيين، ثم أخذوا حيث ينزلون، يبدون من أمارات الغضب ما يتناول الأبرياء مباشرة، وقد تمردت هذه الكتائب حتى على الحكومة التي قبلتها متطوعة في صفوفها مثل الكتيبة التي تمردت في الإسكندرونة 1919 حتى اضطرت القيادة الفرنسية أن تنقلها إلى أذنة، ولم تقف معاملة الأرمن للعرب بالسوء عند هذا الحد بل تكونت منها أسباب لفتنة أهلية في حلب انتهت بقتل وجرح وأحكام بالقتل وإهانة الأعيان. وقد سألنا صديقنا السيد أمين غريّب وكان في الشهباء قريباً من هذه الوقعة فتفضل وكتب إلينا ما نثبته بنصه، وقوله ثقة في هذا الباب قال:
كان الجيش الإنكليزي محتلاً مدينة حلب وقد وقفت طلائعه في مسلمية وما حولها بسبب الهدنة بين الحلفاء من جهة والدول الوسطى من جهة ثانية. وكانت تركيا
بحسب الشروط قد أخذت تسرح جيشها، فيعود الجنود العرب إلى الشام بطريق أذنة ويمرون بالجنود الأرمن الذين عسكروا في أذنة ونواحيها، وكان هؤلاء الجنود قادمين مع الحلفاء وأُرجح أن قيادة أمورهم كانت في