إلى سكنى المدن والقرى المهجورة، وإلى حراثة الأرضين المهملة، وهذا ما حدث وخاصة في حوران وفي الأرجاء الواقعة حوالي حمص، وفي كل الجهات الواقعة على حدود البادية، وفي هذه الأماكن أكره العرب على احترام سلطة الحكومة،
وجعل السكان بمأمن من اعتداءاتهم. وكان الشام بأسره تحت إدارة شريف باشا وقيادة الجيش الذي يبلغ عدده زهاء 40 ألف جندي نظامي وغير نظامي بإمرة إبراهيم باشا، فبحسن إدارة الأول تضاعف نجاح الأهلين وحسنت المالية في هذه النواحي، كما أن نشاط إبراهيم وحزمه وطد الأمن ومدّ رواق الثقة، وقد عدت الحكومة ظالمة لكنها في الحقيقة لم تكن تستطيع غير ذلك، إذ كان عليها أن تصلح غدة أمور مختلفة، وأن تبدل الفوضى والتعصب والقلاقل التي كانت سائدة بالعدل.
وامتعض أصحاب المقامات العالية والأفندية والأغوات من ذلك كثيراً لأنهم كانوا يثرون من ابتزاز أصحاب التجارة والحرف وسائر الطبقات العاملة. وقد سر هؤلاء كل سرور لخلاصهم من الظلم الذي أنّوا تحت عبئه طويلا، واغتبط النصارى خاصة وفرحوا لنجاتهم من التعصب الذي أوصلهم إلى درجة من الذل لا تطاق. ولم يكن الفلاحون أقل سروراً منهم لأنه وإن كانت الضرائب المقررة تستوفي بكل شدة، لم يكن يستوفي منهم بارة زيادة، ولا تضبط حاصلاتهم وغلالهم، ولا يؤخذ منهم شيء دون دفع ثمنه، ولم يجبروا على تقديم خدمة دون بدل، وقد فرضت الخدمة العسكرية على المسلمين، وهذا الأمر الجديد كان ينبوع استياءٍ عظيم. أما النصارى الذين كانوا يدفعون الخراج فأعفوا من الخدمة العسكرية، والفلاحون الذين قطنوا القرى المهجورة أسلفوا مالاً لإصلاح بيوتهم وتموينها، وأعفوا من الضرائب مدة ثلاث سنين.
وقصارى القول أن جميع هذه المساعدات بذلت لزيادة الحاصلات، وكم من مرة ذهبت الجنود بإمرة إبراهيم باشا لإتلاف بيوض الجراد وما نقف منها وبفضل هذا الحكم الحازم العادل المحترم من الجميع أخذت البلاد تترقى في مدارج النجاح والنماء، فلو طال الحكم المصري على الشام لاستعادت قسماً عظيماً من وفرة
سكانها القدماء، وأصابت شطراً كبيراً من الثروة التي كانت في الماضي، وآثارها لم تزل ظاهرة للعيان في القرى والمدن العديدة في جهات