على الساحل إلى مالطة وبقي منفياً فيها زمناً ولم يستطع أن يعود إلى إمارته. قال إنه كان شجاعاً مقداماً، وقائداً محنكاً، وسياسياً داهية، خدم الجزار بكل أمانة ونشاط، وخدم خلفه وحفيده مثله، وخدم الدولة التركية والدولة المصرية، وكان يعطي لكل خدمة ودولة حقوقها، وكان صادقاً إذا وعد أميناً على واجبه، ولكنه لم يخدم لبنان
خدمة تذكر. وانتقد مشاقة حكومة محمد علي تقاعسها عن إشهار استقلالها عن الدولة التركية، مع أنه كان من أسهل الأمور بعد أن اكتسحت القطر، فلو نادى محمد علي بنفسه ملكاً مستقلاً وأرسل سفراء إلى عواصم الدول الأجنبية، وعقد معها المعاهدات الدولية لاعترفت له بالملك على الرغم من مقاومة دولة بني عثمان، ولو طلب منها الاعتراف بملكه واستقلاله عن الدولة التركية عقيب حادثة قونية، لأجبرتها على الاعتراف بسيادته لأنه استحال عليها إخراج جنوده من الشام، أو صد هجمات إبراهيم باشا وتقدمه إلى قلب عاصمتها، ولو فعل لكانت المملكة العثمانية عربية اليوم أو لكانت على الأقل أضيفت الشام إلى مصر وأصبح حظ القطرين واحداً. ولم يظهر سر امتناع محمد علي من الإقدام على هذا الأمر الخطير ولو فعل لغير حالة هذا الشرق القريب لا محالة.
أثبتت حكومة محمد علي في فتوحها أن المصري بل العربي إذا تهيأ له زعيم عاقل لا يقل عن الغربيين في سيرته وجلادته، وأنه لم يضره في القرون الماضية إلا فناؤه في الحكومة التركية، بدعوى أن الإسلام لا يفرق بين الأجناس، والعربي والتركي أخوان، وأن الظلم إذا جاء من مسلم كان مقبولاً!. وكانت حكومة محمد علي من أفضل ما رأت الشام من الحكومات منذ ثلاثة أو أربعة قرون، بل أن الشام في القرون الوسطى والحديثة لم تسعد بما يقرب منها فضلاً عما يماثلها.
كتب المستر برانت قنصل بريطانيا في دمشق إلى سفير دولته في الأستانة سنة 1858م ما تعريبه: لما كانت الإيالة تحت حكم محمد علي باشا عاد كثير