وقال المؤرخ إن سبب عصيان الدمشقيين أن سليم باشا مر بحماة عند شخوصه إلى دمشق وقتل بضعة رجال من عرب عنزة وقيد البرازي في القيود وأتى به معه إلى دمشق فدهش أهلها، وكان اقتراحه وضع ضريبة فأوقد جذوة الفتنة. وذكر أن الأهالي هجموا على السراي أولاً وأغلقوا دكاكينهم وانتشرت الفوضى. وقد كتب السلطان على محضر قدمه بهذا الشأن عاطف بك ابن خليل شقيق سليم باشا قال فيه: قد يتبادر إلى الذهن أن لبعض الأطراف يداً في حادثة دمشق، ومن الجائز أن يكون ذلك بصنع والي صيدا لأن هؤلاء ليسوا على ثقة تامة من دولتنا العلية وهم ينفرون منها على الدوام، وعلى هذا فإن أمور إيالة الشام إذا دخلت في النظام على ما يجب يحدث ذلك ضرراً لهم، وقد عرفوا هذا حق المعرفة، فيجوز أن يكونوا سبب هذه الفتنة لإيصال الحال إلى تلك الصورة.
وقد ظهر من الأوراق الرسمية الأخرى التي نشرها لطفي في تاريخه أن السلطان
ذهب مذهبين في هذه الفتنة فكان يقول في بعض أوامره قبل مقتل سليم باشا القائم بتطبيق قانون رسوم الاحتساب سداً لنفقة الجند: إن أهالي دمشق وحواليها وإن كانت أرضهم مباركة، لا يستنكف أكثرهم عن عار ولا يعرفون الحياء، وظاهر أنهم وسيرون بحول الله وقوته من أسباب التأديب ما يقفون به عند حدهم. وقال في كتاب آخر: إن وقوع هذه الحادثة في دمشق ليست منبعثة من جسارة الأهالي فقط، بل نشأت بلا ريب من إغواء الأطراف وتحريكها. وذكر المؤرخ أن السبب في فتنة سليم باشا تحريك محمد علي والي مصر ليجعل مقدمة لدخوله الشام، وفي رواية أخرى أن والي عكا عبد الله باشا كان هو السبب في ذلك.
وقصارى القول أن سليم باشا مبيد جيش الإنكشارية الذي عجنت طينته بالدماء فقتله أعيان دمشق مخافة أن يبطش بهم كما بطش في حماة، خافوه ووجدوا فرصة للنيل منه لما جاء يطبق قانون الاحتساب، فأثاروا الرأي العام عليه ففعلوا وربما كانوا يريدون الاكتفاء بتهديده ليحملوه على الهرب، ولكن الأمر خرج من أيديهم إلى أيدي العامة فقتلوه غير حاسبين للعاقبة