خرج إلى بيت القاضي بجانب دار المشورة، فجاء سبعة رجال وكسروا الباب والنافذة عليه وألقوا النار بعد أن أخرجوا من عنده ابن أخيه والكيخية، ثم قطعوا أعناقهما افتراءً وعدواناً كما قال مدون هذه الوقعة إذ ليس لهما ذنب يوجب القتل حتى إن الباشا نفسه افتروا عليه لأنه لم يظهر منه أدنى أذى إليهم غير تمسكه بإتمام الأوامر التي بيده من الأستانة، وربما كان يضمر للأعيان شراً لا نعلمه وأما في الظاهر فليس لهم عذر سوى أنهم افتروا عليه وعلى جماعته على نوع مستغرب مناف للشرائع كلها ثم أخذوه عرياناً إلى القلعة، مع الاثنين خاصة بعد أن داروا برؤوسهم ودفنوهم داخل القلعة وتولى الشربجي الداراني ورشيد نسيب الشوملي أمر البلد، وبات الناس يتوجسون خيفة من رجال الأستانة، ولو كان ما أتوه في حالة راحة الدولة لأرسلت عليهم جنودها يفعلون بالأبرياء والجناة الأفاعيل المنكرة، ولكن الدولة كانت تتوجس خيفة من محمد علي والي مصر وما بلغه من القوة بجنده وبحريته واستعداده، ولها مشاكل في أُوربا تخاف أن تتجزأ قوتها إذا أرادت تأديب الدمشقيين. ولذلك لم تحب أن تناقش الأهالي الحساب ولم تسؤها فجيعتها بشيخ هِمّ قاتل، والقاتل مبشر بالقتل، ومن عادة الدول على الأغلب أن تفتك بعد حين فيمن استعملته آلة للفتك، ولذلك نرى مؤرخي الترك قد نطقوا بلسان الحكومة ولم يحركوا ساكناً كأنهم رأوا
لعمل الدمشقيين مبرراً من حسن نيتهم.
وقال مشاقة: لما قتل الدمشقيون سليم باشا اجتمع أعيانهم ورتبوا حكومة مؤقتة وأخذوا يترقبون ورود عسكر الدولة للانتقام منهم، فورد الخبر بخروج عساكر مصر لتأتي الشام فسكن روعهم بعض الشيء، ولما خرجت عساكر مصر صرفت الدولة النظر عما عمله أهالي دمشق وأرسلت والياً عليهم اسمه علي باشا. وأخذت الدولة تؤول عمل أهل دمشق وأصبحت كالمحامية عنهم تختلق لهم الأعذار عما بدر منهم لأن السياسة اضطرتها إلى ذلك. فقد جاء في تاريخ لطفي نقلاً عن جريدة تقويم الوقائع الرسمية أن سليم باشا لم يعمل بحسب الوقت لما جاء دمشق، وقد عين الحاج علي باشا والي قره مان لاستئصال الفتنة التي كان شبوبها يترامى إلى المسامع، بيد أن سليم باشا قتل قبل وصول خلفه، وتبين أن للغرباء يداً في هذه الفتنة، وأن تأديب المشاغبين بسوق قوة على دمشق يضر بأهاليها!