عرابة فبطشوا بمن بقي فيها وخربوها فعظم قدر زيدان وانضم إليه أُناس ممن يحبون الغزو والشقاوة، وألف منهم جيشاً يغزو بهم، فينزل بأرباب العمل الويل والخراب. ثم قتل زيدان بعض رجال المقادحة وكان منهم حاكما طبرية والناصرة، فأضحى المقادحة بلا زعماء فاحتل أهل عرابة نمرين وغيرها. ورزق ظاهر ستة أولاد ذكور وكفله سكان عرابة لدى والي صيدا فالتزم الجباية، وكان بعض السنين يتلكأ عن أداء ما تعهد به وأحياناً يؤدي للدولة حقها، حتى نمت ثروته وأقام في عكا فجعل أخاه سعداً في دير حنا، وأولاده علي في صفد، وعثمان في شفا عمرو، وسعيد في الناصرة وجهات مرج ابن عامر، وصليبي في طبرية، وأحمد في تبنة وجبل عجلون.
كانت جبال بيروت وأعمالها بيد حكامها الأمراء الشهابيين يدفعون الأموال لوالي صيدا المعين من قبل الدولة، وكانت صور وعملها بيد المتاولة يضمنون أموالها من والي صيدا، وأما جبال عكا وما إليها فكانت بيد مشايخها ومن جملتهم بيت أبي زيدان كانوا يضمنونها من والي صيدا أيضاً، فما زال الأمر كذلك حتى ظهر الشيخ ظاهر العمر فصادق مشايخ المتاولة وتزوج نساء كثيرات فتكاثر بنوه وأقرباؤه حتى بلغوا مقدار خمسمائة نفس، وعمروا قلعة طبرية وقلعة صفد وغيرهما وبدءوا يسطون على عكا وصور، وأظهروا الشقاوة وقطع الطرق فضجر منهم والي صيدا واضطر أن يضمن مدينة عكا إلى الشيخ ظاهر العمر ويضمن صور للمشايخ المتاولة، وابتدأ الشيخ ظاهر العمر يبني في عكا سرايا عظيمة وسوراً وأبراجاً ويجمع إليه العسكر وانتشرت أعلامه في تلك البقعة
وأطاعته مشايخ المتاولة ودخلت عرب البادية تحت حكمه وكان عادلاً في الرعية وسار معهم سيرة مرضية وساعدته المتاولة في أطراف لبنان فخافه السلطان وأوهمه أنه يجعله نائبه في القدس ويوليه عكا والناصرة وطبرية وصفد وسائر البلدان التي في تلك الأطراف وأنه أمير العرب فصدق وكف عن المحاربة. وذكر شوفيه وايزامبر: أن ظاهر العمر نشط الزراعة وقضى على غزو القبائل المجاورة له من العرب فوفق إلى توطيد الأمن في الأقاليم فكان المسيحيون والمسلمون يهرعون إلى نزول أرضه من جميع أطراف الشام لينعموا فيها بالراحة والتساهل الديني.