تبلج فجر القرن الثاني عشر للهجرة والدولة لا تفكر في غير مصائبها الخارجية، والمملكة التي كانت تمتد من أسوار فينا إلى جنوب جزيرة العرب، ومن فارس إلى الغرب الأقصى لا وحدة فيها، ولا جامعة تجمعها، وليست متجانسة ولا متماثلة، تكافحها الثورات الداخلية، وتساورها الحروب الخارجية فلا تهتم للأولى اهتمامها للثانية، وتفني في سلطانها ويستعبدها أرباب الأقطاعات ويستبد بها الجند والولاة، وسكان هذا القطر كسائر الأقطار العثمانية كأرقاء لا عمل لهم إلا إرضاء شهوات حكامهم من وطنيين وغرباء، ولم يكن اختلاف العناصر أقل ضرراً عليها من اختلاف الطبقات العسكرية أوجاقات من الانكشارية واللوند والسكبان والقبوقول، والنزاع بين هؤلاء الجند وبين رجال الإدارة قائم على ساق وقدم في أغلب السنين، بل بين كل صنف من أصنافهم ورؤسائه، والأرواح في هذه السبيل تباع بالمجان، فلم يحدث شيء مما يقال له الإصلاح لأن رجال الدولة لم يفكروا فيه حتى يتوسلوا بأسبابه وإذا توسلوا فلا يحسنون طرقه، وقد اعتادوا الأخذ ولم يعتادوا العطاء بتحسين الحالة، ليزيد الأخذ والعطاء معاً.
وندر أن يجيء من الآستانة رجل صالح في أخلاقه، معروف باستقامته وكبر عقله وسعة معرفته، يحسن إدارة الناس ويكف الظالم عن ظلمه، وهل