ومن الأحداث في أيام السلطان إبراهيم فتنة ثار وقدها بين الانكشارية ورؤسائهم في حلب، كان السبب فيها أن الانكشارية طلبوا من رؤسائهم أن يعطوهم غروشاً بدلاً من الأقجات، وطلبوا عزل وكيل رئيسهم وكاتبه، فقتل منهم جملة، ثم وقعت بينهم وبين رجال الصدر الأعظم فتنة قتل فيها نحو خمسين رجلاً من الطرفين وانتهت القضية بقتل آغتهم ووكيله وكاتبه. ومنها ما رواه نعيما في حوادث سنة 1054 قال: إنه كان في بر حلب رجل اسمه الأمير عساف يتولى إمارة البادية، وقد أخذ يسلب أرباب القرى أموالهم وسلط أشقياء العربان عليهم، فأنشئوا يقطعون السابلة حتى عم شرهم وصعب استئصال شأفتهم، فدبر والي حلب إبراهيم باشا تدبيراً أخرق وذلك بأن دعاه إلى مأدبة ليغتاله في خلالها، وعلم الوالي أن الرجل لا يوافي حلب فارتأى أن يأدب المأدبة على خمس ساعات من المدينة، فخرج الوالي في جنده وخرج عامة أهل البلد لابسين أحسن بزة، راكبين الخيول المطهمة، حتى وافوا محل الضيافة التي أقامها الوالي لأمير البر، وكان الوالي أوعز إلى جنده أن يطلقوا النار على الأمير عندما يقترب منه لتقبيل الركاب على العادة فأتمروا بأمره، ولكن الأمير كان يلبس ثلاث دروع فلم يؤثر فيه سلاحهم وركب فرسه من ساعته، وكان معه زهاء ستة آلاف فارس مدججين بالرماح، فحملوا على جند الوالي حملة منكرة وقتلوا منهم جماعة، وأحاطوا بالأهالي فسلبوهم ثيابهم وخيولهم، ولم يكونوا أقل من خمسة آلاف وقد جُرح أكثرهم،
ورجع الوالي إلى حلب لم يظفر بمبتغاه فأثرت هذه الحادثة، وأخذ الأمير عساف يعادي الدولة العثمانية علناً وطمعت البادية فأخذوا يطيلون أيدي اعتدائهم أكثر من قبل فاضطرت الدولة إلى تنحية واليها الفاسد الرأي السيئ التدبير، وبذل الوالي اللاحق وجماعته أنواع اللطف مع الأمير عساف حتى أعادوه إلى حظيرة الطاعة للسلطنة في الجملة، وطفق يهادي عمال السلطنة بالخيول ويرسل إلى الحكومة جزءاً من الجباية. وما كان يألفه بعض العمال من إعطاء الأمان للخوارج أو غيرهم ثم اغتيالهم في مائدة أو إدخال السم عليهم أو صلبهم علناً قد أدى إلى رفع ثقة الناس من عهودهم ومواثيقهم. وغلطة